Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 151-159)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
حكى الله تعالى أن صالحاً قال لقومه { لا تطيعوا أمر المسرفين } وهم الذين تجاوزوا الحد بالبعد من الحق . وقيل عنى بالمسرفين : تسعة رهط من ثمود ، كانوا يفسدون في الارض ولا يصلحون ، فنهاهم الله على لسان صالح عن اتباعهم . وقال { الذين يفسدون في الأرض } بان يفعلوا فيها المعاصي ، ويرتكبوا القبائح { ولا يصلحون } أي لا يفعلون شيئاً من الافعال الحسنة . فقالوا له في الجواب عن ذلك { إنما أنت من المسحرين } والمسحر : هو الذي قد سحر مرة بعد مرة ، حتى يختل عقله ويضطرب رأيه . والسحر حيلة توهم قلب الحقيقة ، وقال مجاهد : معناه من المسحورين . وقال ابن عباس : من المخلوقين ، لانه يذهب إلى انه يخترع على أمر يخفى كخفاء السحر . وقيل : معناه انك ممن له سحر أي رئة ، ومنه قولهم أنتفخ سحره قال لبيد : @ فان تسلينا فيم نحن فاننا عصافير من هذا الانام المسحر @@ أي المعلل بالطعام وبالشراب ، على أمر يخفى كخفاء السحر . ثم قالوا له { ما أنت إلا بشر مثلنا } أي ليس أنت إلا مخلوقاً مثلنا ، فلن نتبعك ونقبل منك ، وقالوا له { فأت بآية } أي معجزة تدل على صدقك { إن كنت من } جملة { الصادقين } في دعواك ، فقال لهم { هذه ناقة } وهي التي أخرجها الله من الصخرة عشراء ترعو على ما أقترحوا { لها شرب } أي حظ من الماء ، قال الشاعر : @ لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت حمامة في غصون ذات اوقال @@ أي لم يمنع حظها من الماء و ( الشرب ) - بفتح الشين وضمها وكسرها - تكون مصادراً ، على ما قاله الفراء والزجاج ، وكانوا سألوا أن يخرج لهم من الجبل ناقة عشراء فاخرجها الله حاملا كما سألوا ، ووضعت بعد فصيلا ، وكانت عظيمة الخلق جداً . ثم قال لهم صالح { ولا تمسوها } يعني الناقة { بسوء } أي بضر تشعر به ، فالسوء هو الضرر الذي يشعر به صاحبه ، لأنه يسوء وقوعه ، فاذا ضره من حيث لا يشعر به لم يكن قد ساءه ، لكنه عرضه لما يسوؤه . وقوله { فيأخذكم عذاب يوم عظيم } معناه إنكم إن مسستم هذه بسوء أخذكم عذاب يوم عظيم ، أي الصيحة التي أخذتهم . ثم اخبر فقال { فعقروها } أي انهم خالفوه وعقروا الناقة . فالعقر قطع الشيء من بدن الحي ، فاذا كثر انتفت معه الحياة ، وإن قل لم تنتف . والمراد - ها هنا - انهم نحروها . وقيل : انهم عقروها ، لانها كانت تضيق المرعى على مواشيهم . وقيل : كانت تضيق الماء عليهم ، ولما عقروها رأوا آثار العذاب فيه جداً ، ولم يتوبوا من كفرهم ، وطلبوا صالحاً ليقتلوه ، فنجاه الله ومن معه من المؤمنين . ثم جاءتهم الصيحة بالعذاب ، فوقع لجميعهم الاهلاك ، ولو كانوا ندموا على الحقيقة ، واقلعوا عن الكفر ، لما أهلكهم الله . ثم قال تعالى إن فيما أخبرنا به وفعلناه بقوم صالح من إهلاكهم ، لدلالة واضحة لمن اعتبر بها ، لكن اكثرهم لا يؤمنون { وإن ربك } يا محمد { لهو العزيز } أي العزيز في انتقامه { الرحيم } بمن آمن من خلقه به .