Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 160-175)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
حكى الله تعالى عن قوم لوط أنهم كذبوا الرسل الذين بعثهم الله ، بترك الاشراك به وإخلاص العبادة له ، حين { قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون } الله فتجتنبوا معاصيه والاشراك به ، وانه قال لهم { إني لكم رسول أمين } وقد فسرناه . واخباره عن نفسه بأنه رسول أمين مدح له ، وذلك جائز في الرسول كما يجوز أن يخبر عن نفسه بأنه رسول الله ، وانما جاز أن يخبر بذلك لقيام الدلالة على عصمته من القبائح . وغيره لا يجوز أن يخبر بذلك عن نفسه لجواز الخطأ عليه . واخبر ايضاً انه قال لهم { فاتقوا الله } واجتنبوا معاصيه { وأطيعون } فيما أمركم به وأدعوكم اليه ولست اسألكم على ما اؤديه اليكم وأدعوكم اليه ، أجراً ، ولا ثواباً ، لانه ليس أجري إلا على الله الذي خلق العالمين ، وانما حكى الله تعالى دعوة الانبياء بصغية واحدة ، ولفظ واحد إشعاراً بأن الحق الذي يأتي به الرسل ، ويدعون اليه واحد من اتقاء الله تعالى وإجتناب معاصيه واخلاص عبادته ، وطاعة رسله ، وأن أنبياء الله لا يكونون إلا أمناء لله ، وانه لا يجوز على واحد منهم أن يأخذ الأجر على رسالته ، لما في ذلك من التنفير عن قبول قولهم ، والمصير اليه إلى تصديقهم . ثم قال لهم منكراً عليهم { أتأتون الذكران من العالمين } ؟ ! يعني من جملة الخلائق { وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم } أي وتتركون ما خلقه لكم من الازواج والنساء ، وتذرون استغني في ماضيه بـ ( ترك ) ولا يستعمل إلا في ضرورة الشعر . والزوجة المرأة التي وقع عليها العقد بالنكاح الصحيح ، يقال : زوجة وزوج ، قال الله تعالى { اسكن انت وزوجك الجنة } ثم قال لهم منكراً عليهم { بل أنتم قوم عادون } أي خارجون عن الحق بعيدون عنه . والعادي والظالم والجائر نظائر ، والعادي من العدوان . وقد يكون من العدو ، وهو الاسراع في السعي ، فقال له قومه في جوابه { لئن لم تنته } وترجع عما تقوله { يا لوط } وتدعونا اليه وتنهانا عنه { لتكونن من المخرجين } أي نخرجك من بيننا وعن بلدنا . فقال لهم لوط عند ذلك { إني لعملكم من القالين } يعني من المبغضين : قلاه يقليه إذا أبغضه . ثم دعا لوط ربه فقال { رب نجني وأهلي مما يعملون } أي من عاقبة ما يعملونه ، وهو العذاب النازل لهم فأجاب الله دعاءه وقال { فنجيناه وأهله أجمعين } يعني من العذاب الذي وقع بهم . وقد يجوز أن يكون أراد النجاة من نفس عملهم ، بأن يفعل لهم من اللطف ما يجتنبون مثل افعالهم ، وتكون النجاة من العذاب النازل بهم تبعاً لذلك . واستثنى من جملة أهله الذين نجاهم { عجوزاً } فانه أهلكها . وقيل : انها كانت امرأة لوط تدل قومه على اضيافه { في الغابرين } يعني الباقين . فيمن هلك من قوم لوط ، لانه قيل : هلكت هي فيما بعد مع من خرج عن القرية بما أمطر الله عليهم من الحجارة . وقيل أهلكو بالخسف ، وقيل بالائتفاك وهو الانقلاب . ثم أمطر على من كان غائباً منهم عن القرية من السماء حجارة قال الشاعر في الغابر : @ فما ونا محمد مذ أن غفر له الاله ما مضى وما غبر @@ وقال الشاعر : @ لا تكسع الشول باغبارها انك لا تدري من الناتج @@ فأغبارها بقية لبنها في اخلافها ، والغابر الباقي في قلة ، كالتراب الذي يذهب بالكنس ، ويبقى غباره : غبر يغبر ، فهو غابر ، وغبر الجص بقيته . وغبر من الغبار تغبيراً ، وتغبر تغبراً . والعجوز المرأة التي قد أعجزها الكبر عن أمور كثيرة ، ومثله الكبيرة والمسنة . وقوله { ثم دمرنا الآخرين } فالتدمير هو الاهلاك بأهوال الأمور ، دمره تدميراً ، ومثله تبره تتبيراً ، ودمر عليه يدمر دمراً إذا هجم عليه بالمكروه والدامر الهالك . وقوله { وأمطرنا عليهم مطراً } فالامطار الاتيان بالقطر العام من السماء ، وشبه به امطار الحجارة . والاهلاك بالامطار عقاب اتي الذكران من العالمين { فساء مطر المنذرين } سماه ( سوء ) وإن كان حسناً ، لانه كان فيه هلاك القوم ثم قال { إن في ذلك لآية } أي دلالة { وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم } وقد فسرناه .