Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 176-191)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر { أصحاب اليكة } على انه اسم المدينة معرفة لا ينصرف . قال ابو علي الفارسي : الاجود أن يكون ذلك على تخفيف الهمزة ، مثل لحمر ونصبه يضعف ، لانه يكون نصب حرف الاعراب في موضع الجر ، مع لام التعريف ، وذلك لا يجوز . وحجة من قرأ بذلك أنه في المصحف بلا ألف . وقالوا هو اسم المدينة بعينها . الباقون { أصحاب الأيكة } بالألف واللام مطلقاً مضافاً . ومثله الخلاف في ص . وقرأ ابوا حفص { كسفاً } بفتح السين - ها هنا - وفى ( سبأ ) . الباقون باسكانها . حكى الله تعالى أن قوم شعيب ، وهم أصحاب الأيكة كذبوا المرسلين في دعائهم إلى خلع الانداد وإخلاص العبادة لله . والايكة الغيضة ذات الشجر الملتف . وجمعه الايك ، قال النابغة الذبياني : @ تجلو بقادمتي حمامة أيكة برداً أسف لشاته بالاثمد @@ وقال ابن عباس وابن زيد : اصحاب الأيك هم أهل مدين . وانما قال { إذ قال لهم شعيب } ولم يقل أخوهم كما قال في سائر من تقدم من الانبياء لانه لم يكن منهم في النسب ، وسائر من تقدم كانوا منهم في النسب ، إلا موسى فانه كان من بني اسرائيل ، وكانوا هم قبطاً ولم يسمه الله بأنه أخوهم . ثم حكى عن شعيب انه قال لقومه مثل ما قاله سائر الانبياء وقد فسرناه . ثم قال لهم { أوفوا الكيل } أي اعطوا الواجب وافياً غير ناقص ويدخل الوفاء في الكيل والذرع والعدد ، يقال : أوفى يوفي إيفاء ووفاء . ونهاهم أن يكونوا من المخسرين ، فالمخسر المعرض للخسران في رأس المال بالنقصان أخسر يخسر إخساراً إذا جعله يخسر في ماله ، وخسر هو يخسر خسراناً واخسره نقيض أربحه . وأمرهم أن يزنوا بالقسطاس المستقيم ، فالوزن وضع شي بازاء المعيار ، لما يظهر منزلته منه في ثقل المقدار إما بالزيادة أو النقصان او التساوي . والقسطاس العدل في التقويم على المقدار ، وهو على وزن ( قرطاط ) وجمعه قساطيس . وقال الحسن : القسطاس القبان . وقال غيره هو الميزان . وقال قوم هو العدل والسواء . ذكره ابو عبيدة . ثم قال لهم { ولا تبخسوا الناس أشياءهم } أي لا تنقصوها ، { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } قال قوم : لا تعثوا فيها بالمعاصي . وقال سعيد ابن المسيب : معناه لا تفسدوا فيها بعد اصلاحها . وقال ابو عبيدة : عثا يعثا عثواً وهو أشد الفساد بالخراب . وقال غيره : عثا يعثوا عثواً ، وعاث يعيث عيثاً . ثم قال لهم { واتقوا الذي خلقكم } وأوجدكم بعد العدم { والجبلة الأولين } فالجبلة الخليقة التي طبع عليها الشيء - بكسر الجيم - وقيل ايضاً بضمها ويسقطون الهاء أيضاً فيخففون . ومنه قوله { ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً } وقال ابو ذؤيب : @ منايا يقربن الحتوف لاهلها جهاراً ويستمتعن بالانس الجبل @@ ومعناه اتقوا خليقة الأولين في عبادة غير الله والاشراك معه ، فهو عطف على ( الذي ) فيها ، ولا يجوز أن يكون منصوباً بـ { خلقكم } لأن الله تعالى لم يخلق كفرهم ، ولا ضلالهم ، وإن جعلته منصوباً بـ { خلقكم } على أن يكون المعنى اتقوا الله الذي خلقكم وخلق الخلق الأولين ، كان جائزاً ، واخلصوا العبادة لله . فقالوا في الجواب له { إنما أنت من المسحرين } وقد فسرناه . { وما أنت إلا بشر مثلنا } أي مخلوقاً من الناس مثلنا ، ولست بملك حتى يكون لك فضل علينا . والبشر هو الانسان ، والانسان مشتق من الانس ووزنه ( فعليان ) والاصل إنسيان غير أنه حذف منه الياء ، فلما صغر رد إلى أصله ، فقيل : انسيان . والبشر من البشرة الظاهرة . والمثل والشبه واحد . { وإن نظنك لمن الكاذبين } معناه إنا نحسبك كاذباً من جملة الكاذبين . و { إن } هي المخففة من الثقيلة . ولذلك دخلت اللام في الخبر . ثم قالوا له : إن كنت صادقاً ومحقاً في دعواك { فأسقط علينا كسفاً من السماء } أي قطعاً - في قول ابن عباس - وهو جمع كسفة ، ومثله نمرة وتمر ، فقال لهم في الجواب عن ذلك { ربي أعلم بما تعملون } ومعناه إنه إن كان في معلومه أنه : متى بقاكم انكم تتوبون أو يتوب تائب منكم ، لم يقتطعكم بالعذاب ، وإن كان في معلومه انه لا يفلح واحد منكم ، فسيأتيكم عذاب الاستئصال . ثم قال تعالى { فكذبوه } يعني قوم شعيب كذبوا شعيباً ، فعاقبهم الله بعذاب يوم الظلة ، وهي سحابة رفعت لهم ، فلما خرجوا اليها طلبا لبردها من شدة ما أصابهم من الحر مطرت عليهم ناراً فاحرقتهم ، فهؤلاء أصحاب الظلة ، وهم غير أهل مدين - في قول قتادة - قال : أرسل شعيب إلى أمّتين . { إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم } وقد فسرناه وانما كر ، { وإن ربك لهو العزيز الرحيم } للبيان عن انه رحيم بخلقه عزيز في انتقامه من الكفار .