Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 192-207)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابن عامر واهل الكوفة الا حفصاً ويعقوب { نزل } به بتشديد الزاي وفتحها { الروح الأمين } بالنصب فيهما ، الباقون بالتخفيف والرفع فيهما . وقرأ ابن عامر { أولم تكن } بالتاء { آية } بالرفع . الباقون بالياء ونصب { آية } من شدد الزاي ، فلقوله { فإنه نزل على قلبك بإذن الله } { وإنه لتنزيل رب العالمين } ومن خفف ، فلان التنزيل فعل الله ، وهذا فعل جبرائيل ، يقال : نزل الله جبرائيل ، ونزل جبرائيل . فاما قوله { فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقاً } بالتشديد ، فلأجل حذف الباء ، لانك تقول نزلت به وأنزلته . ومن شدد فانه أضاف الفعل إلى الله . ومن خفف أضاف الفعل إلى جبرائيل ( ع ) ومن قرأ { أو لم تكن } بالتاء ورفع { آية } جعلها اسم ( كان ) وخبره { أن يعلمه } لأن ( ان ) مع الفعل بمنزلة المصدر ، وتقديره : أو لم تكن لهم آية معجزة ودلالة ظاهرة علم بني اسرائيل بمحمد في الكتب . يعني كتب الانبياء ( ع ) قبله أنه نبي ، وأن هذا القرآن من عند الله ، لكنه لما جاءهم ما عرفوه على بصيرة كفروا به . ومن قرأ بالياء ونصب ( آية ) جعلها خبر ( كان ) واسمه ( أن يعلمه ) وهو الاقوى في العربية ، لان ( آية ) نكرة ، و ( أن يعلمه ) معرفة ، وإذا اجتمعت معرفة ونكرة اختير أن يكون المعرفة اسم ( كان ) والنكرة خبرها ، وسيبويه لا يجيز غير ذلك إلا في ضرورة الشعر كقول حسان : @ كأن سبيئة من بيت رأس يكون مزاجها عسل وماء @@ من بيت رأس معناه من بيت رئيس ، فسمى السيد رأساً ، قال عمرو ابن كلثوم : @ برأس من بني جشم بن عمرو @@ وبيت رأس بيت بالشام ، تتخذ فيه الخمور . والهاء في قوله " نزله … وإنه لتنزيل " كناية عن القرآن في قول قتادة . وصفه الله تعالى أنه تنزيل من رب العالمين الذي خلق الخلائق . ووصفه بأنه تنزيل من رب العالمين ، تشريف له وتعظيم لشأنه . ثم قال { نزل به الروح الأمين } من خفف أسند الفعل إلى جبرائيل ، ولذلك رفعه . ومن ثقل أسنده إلى الله تعالى ، ونصب { الروح الأمين } على انه مفعول به . والروح الأمين جبرائيل ( ع ) . وانما قال { على قلبك } لأنه بقلبه يحفظه فكأنه المنزل عليه . و { الروح الأمين } جبرائيل ( ع ) في قول ابن عباس والحسن وقتادة والضحاك وابن جريج . ووصف بأنه ( روح ) من ثلاثة وجوه : احدها - انه تحيا به الأرواح بما ينزل من البركات . الثاني - لان جسمه روحاني . الثالث - ان الحياة عليه أغلب ، فكأنه روح كله . وقوله { على قلبك لتكون من المنذرين } أي انزل هذا القرآن على قلبك لتخوف به الناس وتنذرهم . ثم عاد إلى وصفه فقال { وإنه لفي زبر الأولين } ومعناه إن ذكر القرآن في كتب الأولين على وجه البشارة به ، لا لأن الله أنزله على غير محمد ( صلى الله عليه وسلم ) . وواحد ( الزبر ) زبور ، وهي الكتب ، تقول : زبرت الكتاب أزبره زبراً إذا كتبته . واصله الجمع ، ومنه الزبرة الكتبة ، لانها مجتمعة . ثم قال تعالى { أولم يكن لهم آية } اي دلالة في علم بني اسرائيل واضحة على صحة أمره . ومن حيث أن مجيئه على ما تقدمت البشارة به بجميع أوصافه لا يكون إلا من جهة علام الغيوب . وقيل : من علماء بني اسرائيل عبد الله ابن سلام - في قول ابن مسعود وابن عباس ومجاهد - ثم قال { ولو نزلناه } يعني القرآن { على بعض الأعجمين } قيل : معناه على أعجم من البهائم أو غيره ما آمنوا به - ذكره عبد الله بن مطيع - وقيل : معناه { لو نزلناه على } رجل اعجم اللسان ما آمنوا به ولتكبروا عليه ، لأنه من غيرهم ، وأن المعجزة تفارقه ، وفي ذلك تسلية للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) حين لم يؤمنوا به ، ولم يقبلوا منه . ونقيض الاعجم الفصيح ، والاعجم الذي يمتنع لسانه من العربية . والعجمي نقيض العربي ، وهو نسبة الولادة ، قال الشاعر : @ من وائل لا حي يعدلهم من سوقة عرب ولا عجم @@ وإذا قيل أعجمي ، فهو منسوب إلى أنه من الأعجمين الذين لا يفصحون كما قال العجاج : @ والدهر بالانسان دواري @@ فنسبه إلى أنه من الدوارين بالانسان . وقوله { كذلك سلكناه في قلوب المجرمين } فالهاء كناية عن القرآن . ومعناه أقررناه في قلوبهم باخطاره ببالهم لتقوم به الحجة عليهم ، ولله لطف يوصل به المعنى في الدليل إلى القلب ، فمن فكر فيه أدرك الحق به . ومن أعرض عنه كان كمن عرف الحق وترك العمل به في لزوم الحجة عليه . والفرق بين من ادرك الحق لسلوكه في القلب ، وبين من ادرك الحق بالاضطرار اليه في القلب ، أن الاضطرار اليه يوجد الثقة به فيكون ، صاحبه عالماً به . واما بسلوكه ، فيكون مع الشك فيه . وقال الحسن وابن جريج ، وابن زيد : كذلك { سلكناه } أي الكفر . ولا وجه لذلك ، لأنه لم يجر ذكره ، ولا حجة فيه وانما الحجة في القرآن واخطاره بالبال ، فهو أحسن في التأويل . وقوله { لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم } اخبار منه تعالى عن قوم من الكفار أنهم يموتون على كفرهم بأنهم لا يؤمنون حتى يشاهدوا العذاب المؤلم ، فيصيرون عند ذلك ملجئين إلى الايمان ، ومعنى { حتى يروا العذاب } أي حتى يشاهدوا أسبابه من نيران مؤججة لهم يساقون اليها ، لا يردّهم عنها شيء . ويحتمل حتى يعلموه في حال حلوله بهم علم ملابسته لهم . ثم قال تعالى { فيأتيهم بغتة } ومعناه : إن العذاب الذي يتوقعونه ويستعجلونه يجيئهم فجأة . والبغتة حصول الأمر العظيم الشأن من غير توقع بتقديم الاسباب ، وقيل البغتة الفجأة . والبادرة ، بغته الأمر يبغته بغتاً وبغتة قال الشاعر : @ وافضع شيء حين يفجؤك البغت @@ واتاه الامر بغتة نقيض أتاه عن تقدمة { وهم لا يشعرون } أي لا يعلمون والشعور هو العلم بما يلطف ، لطف الشعر . ثم اخبر تعالى انه إذا جاءهم العذاب بغتة قالوا { هل نحن منظرون } أي مؤخرون ، فقال الله تعالى { أفبعذابنا يستعجلون } على وجه التوبيخ لهم والانكار عليهم . ثم قال لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) { أفرأيت } يا محمد { إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون } به من العذاب { ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون } معناه انه لم يغن عنهم ما كانوا يمتعون ، لازديادهم من الآثام ، واكتسابهم من الاجرام ، أي أيّ شيء يغني عنهم ما يمتعون به من النعم ، لانه فان كله ، والاغناء عن الشيء صرف المكروه عنه بما يكفي عن غيره . والغنى به نقيض الغنى عنه ، فالاغناء عنه الصرف عنه ، والاغناء به الصرف به ، والامتاع احضار النفس ما فيه اللذة بادراك الحاسة ، يقال : أمتعه بالرياحين والطيب ، وامتعه بالنزه والبساتين ، وامتعه بالمال والبنين ، وامتعه بالحديث الطريف الظريف .