Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 208-220)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

إثنتا عشرة آية في المكي والمدني الآخر ، وثلاث عشرة آية فيما عداه . عدوا " الشياطين " ولم يعدها الأول . يقول الله تعالى { وما أهلكنا من } أهل { قرية } بالعذاب الذي أنزلناه عليهم فيما مضى من الأمم السالفة { إلا } وكان { لها منذرون } يخوفونهم بالله ويحذرونهم معاصيه . وقوله { ذكرى وما كنا ظالمين } معناه ذاك الذي قصصناه من إنزال العذاب بالامم الخالية { ذكرى } لكم تتعظون بها . ثم بين أن ذلك كان عدلا ، ليكون أشد في الزجر ، وإن الله تعالى لم يكن ظالماً لاحد . وموضع { ذكرى } يجوز أن يكون نصباً بالانذار ، ويجوز أن يكون رفعاً بالاستئناف على ذلك { ذكرى } . والذكرى : هو إظهار المعنى للنفس تقول : ذكرته ذكرى . وبين ان ذلك ليس مما ينزل به الشياطين ويغوون به الخلق ، بل هو وحي من الله تعالى . ثم بين انه ليس ينبغي للشياطين أنزال ذلك . انهم لا يستطيعون على ذلك . ومعنى ينبغي لك كذا يطلب منه فعله في مقتضى العقل ، فتقول : ينبغي لك أن تختار الحسن على القبيح ، ولا ينبغي لك أن تختار القبيح على الحسن . واصله من البغية التي هي الطلب ، وقرا الحسن و { ما تنزلت به الشياطون } بالواو ، ظناً منه أنه مثل ( المسلمين ) . وهذا لحن بلا خلاف ، لانه جمع تكسير شيطان وشياطين . والاستطاعة هي القدرة التي ينطاع بها الفعل للجارحة . ثم قال : { انهم } يعني الشياطين { عن السمع لمعزولون } وقيل : معناه إنهم عن عن استراق السمع من السماء لمعزولون . وقيل : عن سمع القرآن - في قول قتادة - لمعزولون معناه منحون . فالعزل تنحية الشيء عن الموضع إلى خلافه ، وهو ان يزيله عن أمر إلى نقيضه ، كما قال الشاعر : @ عزل الامير بالامير المبدل @@ وانما لم ينبغ لهم ذاك لحراسة المعجزة عن أن تتموّه بالباطل ، لأن الله إذا أراد أن يدل بها على صدق الصادق أخلصها بمثل هذه الحراسة ، حتى تصح الدلالة . ثم نهى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد به المكلفين ، فقال { ولا تدع مع الله إلهاً آخر فتكون من المعذبين } وتقديره انك إن دعوت معه إلهاً آخر كنت من المعذبين . ثم امره أن ينذر عشيرته الأقربين قيل : انما خص في الذكر انذار عشيرته الاقربين ، لانه يبدأ بهم ، ثم الذين يلونهم ، كما قال تعالى { قاتلوا الذين يلونكم من الكفار } لان ذلك هو الذي يقتضيه حسن التدبير : الترتيب . ويحتمل أن يكون انذرهم بالافصاح عن قبيح ما هم عليه وعظم ما يؤدي اليه من غير تليين بالقول يقتضي تسهيل الأمر لما يدعو اليه مقاربة العشيرة ، بأن من نزل بهم الاغلاظ في هذا الباب أذلهم . وقيل : ذكر عشيرتك الأقربين أي عرفهم إنك لا تغني عنهم من الله شيئاً إن عصوه . وقيل : انما خص عشيرته الاقربين لانه يمكنه أن يجمعهم ثم ينذرهم ، وقد فعل ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك . والقصة بذلك مشهورة فانه روي أنه أمر ( صلى الله عليه وسلم ) علياً بأن يصنع طعاماً ثم دعا عليه بني عبد مناف وأطعمهم الطعام . ثم قال لهم : " أيكم يؤازرني على هذا الأمر يكن وزيري وأخي ووصيي " ، فلم يجبه أحد إلا علي ( ع ) والقصة في ذلك معروفة . ثم أمره ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يخفض جناحه للمؤمنين الذين اتبعوه ، ومعناه ألن جانبك وتواضع لهم ، وحسن أخلاقك معهم - ذكره ابن زيد - ثم قال { فإن عصوك } يعني أقاربك بعد انذارك إياهم وخالفوك فيما تدعوهم اليه إلى ما يكرهه الله ، فقل لهم { إني بريء مما تعملون } أي من أعمالكم القبيحة وعبادتكم للاصنام . والبراءة المباعدة من النصرة عند الحاجة ، فاذا برئ من عملهم فقد تباعد من النصرة لهم او الموالاة . ثم أمره أن يتوكل على العزيز الرحيم ومعناه أن يفوض أمره إلى من يدبره . والتوكل على الله من الايمان ، لانه أمر به ، وحث عليه { على العزيز الرحيم } يعني القادر الذي لا يغالب ، ولا يعاز الكبير الرحمة الواسع النعمة على خلقه { الذي يراك } يا محمد { حين تقوم وتقلبك في الساجدين } أي تصرفك في المصلين بالركوع والسجود والقيام والقعود - في قول ابن عباس وقتادة - وفي رواية أخرى عن ابن عباس : إن معناه إنه أخرجك من نبي إلى نبي حين أخرجك نبياً . وقيل : معناه يراك حين تصلي وحدك ، وحين تصلي في جماعة . وقال قوم من اصحابنا : إنه أراد تقلبه من آدم إلى أبيه عبد الله في ظهور الموحدين ، لم يكن فيهم من يسجد لغير الله . والرؤية - ها هنا هي ادراك البصر ، دون رؤية القلب ، لان ( رأيت ) بمعنى علمت ، لا يتعدى إلى مفعول واحد ، فهي من رؤية البصر ، ثم قال { إنه هو السميع العليم } أي يسمع ما تتلو في صلاتك ، العليم بما تضمر فيها في قلبك . وقيل معنى { وتوكل على العزيز الرحيم } ليظهرك على كيد أعدائك الذين عصوك فيما أمرتهم به . وقرأ ابن عامر ونافع { فتوكل } بالفاء ، لانها في مصاحف أهل المدينة والشام كذلك . الباقون بالواو ، وكذلك هو في مصاحفهم . والتوكل على الله : هو أن يقطع العبد جميع أماله من المخلوقين إلا منه تعالى ، ويقطع رغبته من كل احد إلا اليه ، فاذا كان كذلك رزقه الله من حيث لا يحتسب .