Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 31-40)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما قال موسى لفرعون { أو لو جئتك بشيء مبين قال } فرعون { فأت به إن كنت من الصادقين } أي هات ما أدعيته من المعجزة إن كنت صادقاً { فألقى عصاه } حينئذ موسى { فإذا هي ثعبان مبين } وهي الحية العظيمة ، ومنه المثعب وهو المجرى الواسع ، وانثعب الماء انثعاباً إذا جرى باتساع ، ومنه الثعبان لأنه يجري باتساع لعظمه . وفى قلب العصا حية دلالتان : إحداهما - دلالة على الله تعالى ، لانه مما لا يقدر عليه إلا هو ، وليس مما يلتبس بايجاب الطبائع ، لأنه اختراع ، للانقلاب في الحال . والثاني - دلالة على النبوة بموافقته الدعوة مع رجوعها إلى حالتها الاولى لما قبض عليها . وقيل : الثعبان الحية الذكر ، ووصفه تعالى العصا - ها هنا - بأنها صارت مثل الثعبان ، لا ينافي قوله { كأنها جان } من وجوه : احدها - انه تعالى لم يقل ، فاذا هي جان ، كما وصفها بأنها ثعبان ، وانما شبهها بالجان ، ولا يجوز أن تكون مثله على كل حال . والثاني - انه وصفها بالثعبان في عظمها ، وبالجان في سرعة حركتها ، فكأنها مع كبرها في صفة الجان لسرعة الحركة ، وذلك أبلغ في الاعجاز . وثالثها - انه أراد أنها صارت مثل الجان في أول حالها ، ثم تدرجت إلى ان صارت مثل الثعبان ، وذلك ايضاً أبلغ في باب الاعجاز . ورابعها - ان الحالين مختلفان ، لأن احداهما كانت حين ألقى موسى فصارت العصا كالثعبان ، والحالة الأخرى حين أوحى الله اليه وناداه من الشجرة . ومعنى { مبين } قال ابن عباس : انه ثعبان لا شبهة فيه . وقيل : معناه مبين وجه الحجة به . وروي أنها غرزت ذنبها في الارض ورفعت رأسها نحو الميل إلى السماء ، ثم انحطت فجعلت رأس فرعون بين نابيها ، وجعلت تقول : مرني بما شئت ، فناداه فرعون أسألك بالذي أرسلك لما اخذتها ، فاخذها ، فعادت عصاً ، كما كانت - ذكره ابن عباس ، والمنهال - . وقوله { ونزع يده } أي أخرجها من جيبه أو من كمه على ما روي . ويجوز أن يكون المراد حسر عن ذراعه . والمعنى أنه نزعها عن اللباس التي كان عليها . والنزع إخراج الشيء مما كان متصلا به ، وملابساً له . وقوله { فاذا هي بيضاء } يعني بياضاً نورياً كالشمس في إشراقها { للناظرين } اليها من غير برص ، فقال فرعون عند ذلك لأشراف قومه الذين حوله { إن هذا } يعنى موسى { لساحر عليم } أي عالم بالسحر والحيل { يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره } قيل معناه يريد أن يخرج عبيدكم بني اسرائيل قهراً . ويحتمل أن يكون أراد يخرجكم من دياركم ويتغلب عليكم { فماذا تأمرون } في تأديبه ، وانما شاور قومه في ذلك مع أنه كان يقول لهم : انه إله ، لأنه يجوز أن يكون ذهب عليه وعلى قومه أن الاله لا يجوز أن يشاور غيره ، كما ذهب عليهم أن الاله لا يكون جسماً محتاجاً ، فاعتقدوا إلهيته لما دعاهم اليها مع ظهور حاجته التي لا اشكال فيها ، فقال لفرعون اشراف قومه الذين استشارهم { أرجه وأخاه } أي أخرّهما ، فالارجاء التأخير ، تقول : ارجأت الأمر ارجئه إرجاء ، وهم المرجئة ، لأنهم قالوا بتأخير حكم الفساق في لزوم العقاب . وقيل : انما أشاروا بتأخيره ولم يشيروا بقتله ، لانهم رأوا أن الناس يفتتنون به ان قتل ، وإن السحرة اذا قاومته زال ذلك الافتتان ، وكان له حينئذ عذر في قتله أو حبسه بحسب ما يراه . وقوله { وابعث في المدائن حاشرين } أي ارسل حاشرين يحشرون الناس من جميع البلدان . فالحشر السوق من جهات مختلفة إلى مكان واحد ، حشره يحشره حشراً ، فهو حاشر والشيء محشور ، وانحشر الناس إلى مكان إذا اجتمعوا اليه . والسحر لطف الحيلة حتى يتوهم المموه عليه أنه حقيقة . وقوله { يأتوك } أي يجيئوك { بكل سحار } مبالغة فيمن يعمل بالسحر { عليم } أي عالم بالسحر ، وفي الكلام حذف ، لان تقديره إنه انفذ الحاشرين في المدائن وانهم حشروهم { فجمع السحرة } على ما قالوه { لميقات يوم معلوم } لوقت يوم بعينه اختاروه وعينوه { وقيل للناس هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع السحرة } ان غلبوا موسى ، فالغلبة الاستعلاء بالقوة : غلبة يغلبه غلبة إذا قهره ، وتغلب تغليباً وغالبه مغالبة وتغالباً تغالباً . وقد يوصف المستعلي على غيره بالحجة بأنه غلبه .