Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 51-60)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ اهل الكوفة وابن عامر إلا الحلواني { حاذورن } بألف ، الباقون بغير ألف . من قرأ بالالف قال : هو مثل شرب ، فهو شارب ، وحذر فهو حاذر . وقيل : رجل حاذر فيما يستقبل ، وليس حاذراً في الوقت ، فاذا كان الحذر له لازماً قيل رجل حذر مثل سؤل وسائل ، وطمع وطامع ، وكان يجوز ضم الذال لانهم يقولون : حذر وحذر - بكسر الذال وضمها - مثل يقظ ويقظ وفطن وفطن . وقرأ عبد الله بن السائب { حادرون } بالدال - المهملة - بمعنى نحن أقوياء غلاظ الاجسام ، يقولون : رجل حادر أى سمين ، وعين حدرة بدرة إذا كانت واسعة عظيمة المقلة ، قال امرؤ القيس : @ وعين لها حدرة بدرة شقت مآقيهما من أخر @@ وقيل الفرق بين الحاذر والحذر أن الحاذر الفاعل للحذر ، أن يناله مكروه والحذر المطبوع على الحذر وقيل : { حاذرون } مؤدون في السلاح أى ذووا أداة من السلاح المستعدون للحروب من عدو ، والحذر اجتناب الشيء خوفاً منه ، حذر حذراً ، فهو حاذر وحذره تحذيراً ، وتحذر تحذراً وحاذره محاذرة وحذاراً . اخبر الله تعالى عن السحرة انهم حين آمنوا وقالوا لفرعون : لا ضرر علينا بما تفعل بنا ، لانا منقلبنا إلى الله وثوابه ، قالوا { إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا } أى ما فعلنا من السحر وغيره ، لأنا كنا اول من صدق بموسى وأقر بنبوته ، وبما دعا اليه من توحيد الله ونفي التشبيه عنه ممن كان يعمل بالسحر . وقيل : انهم اول من آمن عند تلك الآية . ومن قال : هم اول من آمن من قومه فقد غلط ، لأن بني اسرائيل كانوا آمنوا به . ولو كسرت الهمزة من { إن } على الشرط كان جائزاً . والطمع طلب النفس للخير الذى يقدر فيها انه يكون . ومثله الأمل والرجاء والخطايا جمع خطيئة ، وهي الزوال عن الاستقامة المؤدية إلى الثواب . ثم حكى تعالى انه أوحى إلى موسى ، وامره بأن يسري بعباد الله الذين آمنوا به ، ويخرجوا من بلد فرعون ، وهم بنوا إسرائيل المقرون بنبوته . يقال سرى وأسرى لغتان ، فمن قطع الهمزة قال : هو من اسرى يسري ، ومن وصلها فمن سرى يسري . واعلمهم أن فرعون وجنوده يتبعونهم ، ويخرجون في طلبهم وتبع واتبع لغتان . ثم حكى ايضاً ان فرعون ارسل برسله في المدائن حاشرين يحشرون الناس اليه الذين هم جنوده ، وقيل : انه حشر جنده من المدائن التي حوله ليقبضوا على موسى وقومه ، لما ساروا بأمر الله ( عز وجل ) فلما حضروا عنده ، قال لهم { إن هؤلاء } يعني أصحاب موسى { لشرذمة قليلون } والشرذمة العصبة الباقية من عصب كثيرة ، وشرذمة كل شيء بقيته القليلة ، ومنه قول الراجز : @ جاء الشتاء وقميصي اخلاق شراذم يضحك منه التواق @@ وقال عبد الله بن مسعود : الشرذمة الذين قللهم فرعون من بني اسرائيل كانوا ستمائة ألف وسبعين ألفاً ، وانما استقلهم ، لأنه كان على مقدمته سبعة آلاف الف على ما قال بعض المفسرين . ثم قال { وإنهم } مع قلتهم { لنا لغائظون } أي يغيظوننا بمخالفتهم إيانا ، ويقال : جمع قليل وقليلون ، كما يقال حي واحد ، وواحدون . ثم اخبر تعالى عن فرعون أنه قال لجنده " إنا لجميع حذرون " منهم قد استعددنا لقتالهم . ثم اخبر تعالى عن كيفية إهلاكهم بأن قال { فأخرجناهم } يعني فرعون وقومه { من جنات } وهي البساتين التي تجنها الاشجار { وعيون } جارية فيها { وكنوز } يعني اموال لهم مخبئة بعضها على بعض في مواضع غامضة من الارض ومنه كناز التمر وغيره مما يعبأ بعضه على بعض { ومقام كريم } فالمقام الموضع الذي يقيمون فيه . ويجوز أن يكون مصدراً و " الكريم " هو الحقيق باعطاء الخير الجزيل ، لأنه اهل للكرم ، وهي صفة تعظيم في المدح : كرم كرماً واكرمه إكراماً ، وتكرّم تكرماً . وقيل : المقام الكريم المنابر . وقيل مجالس الامراء والرؤساء : التي كان يحف بها الاتباع . ثم قال تعالى { كذلك } أي مثل ذلك أي كما وصفنا لك اخبارهم { وأورثناها بني إسرائيل } أي نعم آل فرعون بأن اهلكنا آل فرعون وملكنا ديارهم واملاكهم لبني اسرائيل . والارث تركة الماضي ممن هلك لمن بقي . وقيل صار ذلك في ايدي بني اسرائيل في ايام داود وغيره . وقال الحسن : رجع بنو إسرائيل إلى مصر بعد اهلاك فرعون وقومه . وقوله { فأتبعوهم مشرقين } معناه تبعوا اثرهم وقت اشراق الشمس وظهور ضوئها وصفائه . وقيل معناه مصبحين ، ويقال : اتبع فلان فلاناً وتبعه اذا اقتفى اثره - لغتان - .