Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 61-70)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ حفص { معي ربي } بفتح الياء ، وكذلك في جميع القرآن . الباقون بسكونها ، فمن سكن ذهب إلى التخفيف ، ومن فتح فعلى أصل الكلمة لان الاسم على حرف واحد ، فقراءته - بالفتح - ان كان متصلا بكلمة على حرفين . وكان اصحاب موسى فزعوا من فرعون أن يلحقهم وحذروا موسى ، فقالوا { إنا لمدركون } فقال لهم موسى ( ع ) - ثقة بالله - { كلا } ليس كما تقولون { إن معي ربي سيهدين } وقرأ الاعرج { لمدّركون } مفتعلون ، من الادراك وادغم التاء في الدال . قال الفراء : دركت دراكاً وادركت ادراكاً بمعنى واحد ، مثل حفرت واخفرت ، بمعنى واحد . وقرأ حمزة وحده { تراء الجمعان } بالامالة . الباقون بالتفخيم على وزن ( تراعى ) لأنه تفاعل من الرؤية ، وهو فعل ماض موحد ، وليس مثنى ، لأنه فعل متقدم على الاسم ، ولو كان مثنى لقال تراءا ووقف حمزة " تراى " بكسر الراء ممدود قليلا ، لأن من شرطه ترك الهمزة في الوقف ، فترك الهمزة التى آخر الألف ، كأنه يريدها ، فلذلك مد قليلا . ووقف الكسائي " ترآى " اى بالامالة على وزن تراعى ، وتنادى . الباقون وقفوا بألفين على الأصل . وكذلك جميع ما في القرآن مثل { أنشأناهن إنشاء } و { أنزل من السماء ماء } كل ذلك يقفون بالمد بألفين . وحمزة يقف على الف واحدة . واذا كانت الهمزة للتأنيث أسقطت الهمزة في الوقف عند الجميع نحو { بيضاء } و { إنها بقرة صفراء } و { الأخلاء } فيشم الضمة في موضع الرفع ولا يشم الفتحة في موضع النصب . اخبر الله تعالى انه { لما تراء الجمعان } جمع فرعون وجمع موسى أى تقابلا بحيث يرى كل واحد منهما صاحبه . ويقال : ترآ نارهما أى تقابلا ، وانما جاز تثنية الجمع ، لانه يقع عليه صفة التوحيد ، فتقول : هذا جمع واحد ، ولا يجوز تثنية مسلمين ، لانه لا يقع عليه صفة التوحيد ، لأنه على خلاف صفة التوحيد . { قال أصحاب موسى إنا لمدركون } أى لملحقون . فالادراك الالحاق ، وادركته ببصري اذا رأيته ، وادرك قتادة الحسن اى لحقه ، وادرك الزرع اذا لحق ببلوغه ، وأدرك الغلام إذا بلغ ، وادركت القدر إذا نضجت ، فقال لهم : موسى { كلا } ليس الامر على ذلك { إن معي ربي } بنصره إياي { سيهدين } أي سيدلني على طريق النجاة من فرعون وقومه كما وعدني ، لأن الانبياء لا يخبرون بما لا دليل عليه من جهة العقل او السمع . وقوله { فأوحينا إليه أن اضرب بعصاك البحر } اي امرناه بضرب البحر بعصاه ، وقيل : هو بحر قلزم الذي يسلك الناس فيه من اليمن ومكة إلى مصر ، وفيه حذف ، لان تقديره فضرب البحر { فانفلق } وقيل : انه صار فيه إثنا عشر طريقاً لكل سبط طريق { فكان كل فرق كالطود العظيم } فالطود الجبل ، قال الأسود بن يعفر النهشلي : @ حلوا بانقرة يحيس عليهم ماء الفرات يجيء من اطواد @@ وقوله { وأزلفنا ثم الآخرين } قال ابن عباس وقتادة : معناه قربنا إلى البحر فرعون ، ومنه قوله { وأزلفت الجنة للمتقين } أي قربت وادنيت قال العجاج : @ ناج طواه الأين مما وجفا طي الليالي زلفاً فزلفاً سمارة الهلال حتى احقوقفا @@ أي منزله يقرب من منزله ، ومنه قيل ليلة المزدلفة . وقال ابو عبيدة : معنى أزلفنا جمعنا ، وليلة مزدلفة ليلة جمع ، والمعنى قربنا قوم فرعون إلى البحر كما يسرنا لبني اسرائيل سلوك البحر وكان ذلك سبب قربهم منهم حتى اقتحموه وقيل : معناه قربناهم إلى المنية لمجيء وقت هلاكهم قال الشاعر : @ وكل يوم مضيء او ليلة سلفت فيها النفوس إلى الاجال تزدلف @@ وانجينا موسى ومن معه يعني بني إسرائيل أنجيناهم جميعهم من الهلاك والغرق { ثم أغرقنا الباقين } من فرعون وأصحابه . وقال تعالى { إن في ذلك } يعني في فلق البحر فرقاً ، وانجاء موسى من البحر ، وإغراق قوم فرعون ، لدلالة واضحة على توحيد الله وصفاته التي لا يشاركه فيها أحد . ثم اخبر تعالى ان { أكثرهم لا يؤمنون } ولا يستدلون به بسوء اختيارهم كما يسبق في علمه . فالآخر - بفتح الخاء - الثاني من اثنين قسيم ( احد ) كقولك نجا الله أحدهما ، وغرق الآخر ، والآخر - بكسر الخاء - هو الثاني قسيم الأول كقولك نجا الأول وهلك الآخر . وقيل : معنى { وما كان أكثرهم مؤمنين } ان الناس مع هذا البرهان الظاهر ، والسلطان القاهر ، بالامر المعجز الذي لا يقدر عليه أحد غير الله ، ما آمن اكثرهم ، فلا تستنكر أيها المحق استنكار استيحاش من قعودهم عن الحق الذي تأتيهم به ، وتدلهم عليه ، فقد جروا على عادة اسلافهم ، في انكار الحق وقبول الباطل . وقوله { وإن ربك لهو العزيز الرحيم } أي هو القادر الذي لا يمكن معارضته في أمره ، وهو مع ذلك رحيم بخلقه . وفى ذلك غاية الحث على طلب الخير من جهة الموصوف بهما . ثم قال لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) { واتل } يا محمد على قومك { نبأ إبراهيم } أي خبره ، حين { قال لأبيه وقومه ما } الذي { تعبدون } من دون الله ؟ ! يعني أي شيء معبودكم على وجه الانكار عليهم ، لانهم كانوا يعبدون الاصنام .