Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 71-80)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

حكى الله تعالى ما أجاب به قوم ابراهيم حين قال لهم ابراهيم { ما تعبدون } ؟ فانهم { قالوا نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين } أي مقيمين مداومين على عبادتنا يقال : عكف عكوفاً ، فهو عاكف ، واعتكف اعتكافاً . قال ابن عباس : معناه فنظل لها مصلين . وقيل : في وجه دخول الشبهة عليهم في عبادة الاصنام أشياء : احدها - انهم اعتقدوا أنها تقربهم إلى الله زلفى كما يتقرب بتقبيل بساط الملك اليه . ومنها - أنهم اتخذوا هياكل النجوم ليحظوا بتوجه العبادة إلى هياكلها ، كما يفعل بالهند . ومنها - ارتباط عبادة الله بصورة يرى منها . ومنها - انهم توهموا خاصية في عبادة الصنم يحظى بها ، كالخاصية في حجر المغناطيس . والشبهة الكبرى العامة في ذلك تقليد الذين دخلت عليهم الشبهة ، ولذلك { قالوا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون } ولم يحتجوا بشيء سوى التقليد ، الذي هو قبيح في العقول . والعبادة خضوع بالقلب في أعلى مراتب الخضوع ، فلا تستحق إلا بأصول النعم وبما كان في أعلى المراتب من الانسان ، فكل من عبد غير الله ، فهو جاهل بموجب العبادة ، كافر لنعم الله ، لان من حقه إخلاص العبادة له . فقال لهم ابراهيم ( ع ) { هل يسمعونكم } هذه الاصنام التي تعبدونها إذا دعوتموها ! أي هل يسمعون أصواتكم ، لان اجسامهم لا تسمع { أو ينفعونكم } بشيء من المنافع { أو يضرون } بشيء من المضار ! . وانما قال ذلك ، لان من لا يملك النفع والضر ، لا تحسن عبادته ، لانها ضرب من الشكر ، ولا يستحق الشكر إلا بالنعم ، فمن لا يصح منه الانعام يقبح شكره ، ومن قبح شكره قبحت عبادته . فقالوا عند ذلك { وجدنا آباءنا كذلك يفعلون } أحالوا على مجرد التقليد . فقال لهم ابراهيم منكراً عليهم التقليد { أفرأيتم ما كنتم تعبدون } من الاصنام { أنتم } الآن { وآباؤكم الأقدمون } المتقدمون ، فالأقدم الموجود قبل غيره ، ومثله الأول والأسبق . والقدم وجود الشيء لا إلى أول ثم قال ابراهيم { فإنهم } عدوّ لي يعني الاصنام جمعها جمع العقلاء ، لما وصفها بالعداوه التي تكون من العقلاء ، لان الاصنام كالعدوّ في الصورة بعبادتها ، ويجوز أن يكون ، لانه كان منهم من لا يعبد إلا الله مع عبادة الاصنام فغلب ما يعقل ولذلك استثناه ، فقال { إلا رب العالمين } لأنه استثناء من جميع المعبودين ، وعلى الوجه الأول يكون الاستثناء منقطعاً وتكون ( إلا ) بمعنى لكن ثم وصف رب العالمين فقال : هو { الذي خلقني } واخرجني من العدم إلى الوجود { فهو يهدين } لان هداية الخلق إلى الرشاد أمر يجل ، فلا يكون إلا ممن خلق الخلق كأنه قيل من يهديك ؟ ومن يسد خلتك بما يطعمك ويسقيك ؟ ومن إذا مرضت يشفيك ؟ فقال - دالا بالمعلوم على المجهول { الذي خلقني ، فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين } بمعنى أنه يزرقني ما يوصلني إلى ما فيه صلاحي { وإذا مرضت فهو يشفين } بان يفعل ما يحفظ بدني ويصح جسمي ويرزقني ما يوصلني اليه .