Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 81-89)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
حكى الله تعالى عن ابراهيم ( ع ) أنه قال بعد قوله : إن الله الذي يشفيه إذا مرض { والذي يميتني } بعد أن كنت حياً { ثم يحيين } أي يحيني بعد أن اكون ميتاً يوم القيامة { والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين } أي يوم الجزاء وهذا انقطاع منه ( ع ) إلى الله دون أن يكون له خطيئة يحتاج ان تغفر له يوم القيامة ، لان عندنا أن القبائح كلها لا تقع منهم ( ع ) ، وعند المعتزلة الصغائر التي تقع منهم محبطة ، فليس شيء منها بمغفور يحتاج ان يغفر لهم يوم القيامة . وقيل : إن الطمع - ها هنا - بمعنى العلم دون الرجاء وكذلك في قوله { إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا } كما ان الظن يكون بمعنى العلم . وقيل : ان ذلك خرج مخرج التلطف في الدعاء بذكر ما يتيقن انه كائن كما انه إذا جاء العلم على المظاهرة في الحجاج وذكر بالظن . ثم حكى انه سأل الله تعالى فقال { رب هب لي حكماً } والحكم بيان الشيء على ما تقتضيه الحكمة ، فسأل ذلك ابراهيم ، من حيث كان طريقاً للعلم بالأمور . وقوله { والحقني بالصالحين } معناه افعل بي من اللطف ما يؤديني إلى الصلاح . والاجتماع مع النبيين في الثواب . وفى ذلك دلالة على عظم شأن الصلاح وصلاح العبد هو الاستقامة على ما أمر الله به ودعا اليه . وقوله { واجعل لي لسان صدق في الآخرين } اي ثناء حسناً في آخر الامم ، فأجاب الله تعالى دعاءه ، لان اليهود يقرون بنبوته ، وكذلك النصارى ، واكثر الامم . وقيل : معنى { واجعل لي لسان صدق في الآخرين } أي اجعل من ولدي من يقوم بالحق ، ويدعو إلى الله ، وهو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ثم سأله أن يجعله { من ورثة جنة النعيم } بأن يفعل معه من الالطاف ما يختار عنده الطاعات ، لأن الجنة لا يثاب فيها إلا بالاستحقاق . ثم قال { ولا تخزني يوم يبعثون } أي لا تفضحني بذنب ، ولا تعيرني يوم يحشر الخلائق . و ( الخزي ) الفضيحة والتعيير بالذنب بما يردع النفس ، يقال : خزي خزياً . وأخزاه الله إخزاء ، وهذا موقف خزي . وهذا الدعاء منه ( ع ) إنقطاع منه إلى الله تعالى ، لانا قد بينا أن القبائح لا تقع من الانبياء على حال . ثم وصف اليوم الذي يبعث فيه الخلائق بأنه { يوم لا ينفع } فيه { مال } فيفادي به الانسان نفسه من العقاب { ولا } ينفع { بنون } ينصرونه { إلا من أتى } أي وإنما ينفع من يأتي { الله بقلب سليم } أي سليم من الفساد والمعاصي ، انما خص القلب بالسلامة ، لانه إذا سلم القلب سلم سائر الجوارح من الفساد ، من حيث أن الفساد بالجارحة لا يكون إلا عن قصد بالقلب الفاسد فان اجتمع مع ذلك جهل ، فقد عدم السلامة من جهتين ، وقيل : سلامة القلب سلامة الجوارج ، لانه يكون خالياً من الاصرار على الذنب . وحكى انه سأل الله تعالى أن يغفر لأبيه ، وذكر انه من الضالين ، قالوا : إنما سأل الله أن يغفر له يوم القيامة بشرط تقتضيه الحكمة . وهو أن يتوب قبل موته ، فلما تبين انه عدو لله تبرأ منه ، ووصفه بأنه ضال يدل على أنه كافر ، كفر جهل لا كفر عناد . وقيل : انه إنما دعا لأبيه لموعدة وعده بها ، لأنه كان يطمعه سراً في الايمان فوعده بالاستغفار ، فلما تبين انه كان عن نفاق تبرأ منه . وقال الحسن : عاب الله تعالى من فعل ابراهيم في قوله { إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك } بعد قوله { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه } وليس الأمر على ما قاله . ونحن نبين الوجه في هذه الآية إذا انتهينا اليها إن شاء الله . وعند اصحابنا ان أباه الذي استغفر له ، كان جده لأمه ، لان آباء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى آدم كلهم مؤمنون موحدون - بأدلة ليس هذا موضع ذكرها ، والدلالة عليها .