Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 16-19)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اخبر الله تعالى أن سليمان ورث داود . واختلفوا فيما ورث منه ، فقال اصحابنا إنه ورث المال والعلم . وقال مخالفونا : انه ورث العلم ، لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) " نحن معاشر الانبياء لا نورث " . وحقيقة الميراث هو انتقال تركة الماضي بموته إلى الثاني من ذوي قرابته . وحقيقة ذلك في الاعيان ، فاذا قيل ذلك في العلم كان مجازاً . وقولهم : العلماء ورثة الأنبياء ، لما قلنا . والخبر المروي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خبر واحد ، لا يجوز أن يخص به عموم القرآن ولا نسخه به . وقال بعضهم : إن داود كان له تسعة عشر ولداً ذكوراً وورثه سليمان خاصة ، فدل على أنه إنما ورثه العلم والنبوة ، فخبر واحد لا يلتفت اليه . وقوله { يا أيها الناس علمنا منطق الطير } أي فهمنا معاني منطقها وما نفهم به بعضها عن بعض ، قال المبرد : والعرب تسمي كل مبين عن نفسه ناطقاً ومتكلماً قال رؤبة : @ لو انني اوتيت علم الحكل علم سليمان كلام النمل @@ وقال الرماني { منطق الطير } صوت يتفاهم به معانيها على صيغة واحدة ، بخلاف منطق الناس إذ هو صوت يتفاهمون به معانيهم على صيغ مختلفة ، لذلك لم نفهم عنها مع طول مصاحبتها ، ولم تفهم هي عنا ، لأن افهامها مقصورة على تلك الامور المخصوصة ، ولما جعل سليمان يفهم عنها ، كان قد علم منطقها . وقوله { وأوتينا من كل شيء } لفظه لفظ العموم ، والمراد به الخصوص لانه لم يؤت اشياء كثيرة . وقيل : المعنى { وأوتينا من كل شيء } يطلبه طالب لحاجته اليه وانتفاعه به ، ويحتمل أن يكون المراد { وأوتينا من كل شيء } علماً وتسخيراً في كل ما يصلح أن يكون معلوماً لنا ومسخراً ، غير ان مخرجه مخرج العموم أبلغ وأحسن . ثم اخبر ان سليمان كان قد قال هذا القول : إن هذا لهو الفضل الظاهر . اعترافاً بنعم الله . ويحتمل أن يكون ذلك اخباراً من الله بأن ما ذكره هو الفضل الظاهر . وقيل : معناه وأعطينا من كل شيء من الخيرات . وقوله { وحشر لسليمان جنوده } أي جمع له من كل جهة جنوده { من الجن والإنس والطير } قال محمد بن كعب القرطي : كان عسكره مئة فرسخ ، خمسة وعشرون من الانس ، وخمسة وعشرون من الجن ، وخمسة وعشرون من الطير ، وخمسة وعشرون من الوحش ، وقوله { فهم يوزعون } معناه قال ابن عباس : يمنع أولهم على آخرهم وقال ابن زيد : يساقون . وقال الحسن : معناه يتقدمون . وقول ابن عباس أقوى ، لانه من قولهم : وزعه من الظلم إذا منعه من ذلك وكفه ، قال النابغة : @ على حين عاتبت المشيب على الصبى وقلت الما أصح والشيب وازع @@ ويقولون لا بد للسلطان من وازعة أي يمنع الناس عنه ، وقال الشاعر : @ لم يزع الهوى إذ لم توات بلى وسلوت عن طلب العتاة @@ وقيل : معنى يوزعون يمنعون ان نزلوا عن مراتبهم بالجمع مرة ، وبالتفريق أخرى ، حتى يتقدموا في مسيرهم . والايزاع المنع من الذهاب ، فانما منع أول الجنود على آخرهم ليتلاحقوا ، ولا يتفرقوا ، كما تقدم الجيوش اذا كثرت بمثل ذلك . وقوله { حتى أتوا على واد النمل } معناه سار سليمان وجنوده حتى بلغوا واديا فيه النمل و { قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون } قيل : كانت معرفة النمل بسليمان على طريق المعجزة الخارقة للعادة له ( ع ) على غيره . وهذا غير لازم لانه لا يمتنع ان تعرف البهيمة هذا الضرب كما تعرف كثيراً مما فيه نفعها وضرها فمن معرفة النملة انها تكسر الحبة بقطعتين لئلا تنبت ، الا الكربزة فانها تكسرها باربع قطع ، لانها تنبت إذا كسرت بقطعتين ، فمن هداها إلى هذا هو الذي يهديها إلى ما يحطمها مما لا يحطمها . وقيل : جعل لها منطق تفهم به المعاني ، لانه يفهم به المعاني كما تفهم به ، كالفم وبكما الفرح قال الشاعر : @ عجبت لها أنى تكون غناؤها فصيحاً ولم تفغر بمنطقها فما @@ وقيل : انه ظهر من النملة امارات من الرجوع إلى بيتها خوفاً من حطم جنود سليمان إياها ، فاعلم به سليمان انها تحرزت ، فعبر عن ذلك بالقول مجازاً كما قال الشاعر : @ امتلأ الحوض وقال قطني مهلا رويداً قد ملأت بطني @@ ولم يكن هناك قول من الحوض . ويقولون : عيناك تشهد بسهرك ، ويريدون بذلك امارات السهر التي تظهر في العين ، وقوله { لا يحطمنكم سليمان } أي يكسرنكم بأن يطأكم عسكره { وهم لا يشعرون } أي لا يعلمون بوطئكم ، فلما فهم سليمان هذا { تبسم ضاحكاً من قولها . وقال رب أوزعني } أي الهمني ما يمنع من ذهاب الشكر عني بما أنعمت به علي وعلى والدي ، ووفقني { أن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين } كالانبياء ومن يجري مجراهم ممن يعمل الاعمال الصالحة ولا يرتكب شيئاً من القبائح . وقال ابن زيد : معنى في عبادك مع عبادك .