Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 20-26)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابن كثير { أو ليأتينني بسلطان مبين } بنونين الأولى مشددة مفتوحة والثانية مكسورة . الباقون بنون واحدة مشددة مكسورة . وقرأ { مكث } عاصم وروح - بفتح الكاف - الباقون بضمها ، وهما لغتان . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو { من سبأ بنبأ } غير مصروف . الباقون مصروفاً ، منوناً . من لم يصرفه فلأنه معرفة ومؤنث ، لانه قيل : ان { سبأ } حي من احياء اليمن . وقيل : هو اسم أمهم . وقد قال الزجاج : { سبأ } مدينة تعرف بمأرب من اليمن ، وبينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام ، فاذا صرفته فعلى البلد ، وإذا لم تصرفه ، فعلى المدينة . وقيل : من صرفه جعله إسماً للمكان ، ومن لم يصرفه جعله اسماً للبقعة . قال جرير : @ الواردون وتيم في ذوي سبأ قد عض أعناقهم جلد الجواميس @@ وقال آخر في ترك صرفه : @ من سبأ الحاضرين مأرب اذ يبنون من دون سيله العرما @@ وقرأ الكسائي وابو جعفر ورويس { ألا يا اسجدوا } بتخفيف ( ألا ) . الباقون { ألا يسجدوا } مشددة . وجه قراءة الكسائي أنه جعل ( ألا ) للتنبيه ( يا ) هؤلاء على حذف المنادي " اسجدوا " على الامر ، قال الأخطل : @ ألا يا اسلمي يا هند هند بني بدر وإن كان حيانا عدى آخر الدهر @@ أي ألا يا هند . وقرأ ابن مسعود { هلا } وذلك يقوى قراءة من قرأ بالتخفيف . ومن قرأ بالتشديد فمعناه وزين لهم الشيطان ضلالتهم لئلا يسجدوا لله ، وشاهد الأول قول الشاعر : @ ألا اسلمي يا دارمي على البلى ولا زال منهلا بجرعائك القطر @@ وقال العجاج : @ يا دار سلمي يا اسلمي ثم اسلمى عن سمسم أو عن يمين سمسم @@ اخبر الله سبحانه عن سليمان أنه { تفقد الطير ، فقال ما لي لا أرى الهدهد } قيل كان سبب تفقده الهدهد أنه احتاج اليه في سيره ليدله على الماء ، لأنه يقال : انه يرى الماء في بطن الأرض . كما نراه في القارورة - وذكره ابن عباس - وقال وهب بن منية : كان تفقده إياه لاخلاله بنوبته . وقيل : كان سبب تفقده أن الطير كانت تظله من الشمس ، فلما أخل الهدهد بمكانه بان بطلوع الشمس عليه . وقوله { أم كان من الغائبين } معنى { أم } بل . وقيل : معناه أتأخر عصياناً { أم كان من الغائبين } لعذر وحاجة . ثم قال { لأعذبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين } وهذا وعيد منه للهدهد أنه متى لم يأت سليمان بحجة ظاهرة في تأخره يفعل به أحد ما قاله ، عقوبة له على عصيانه . قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك : تعذيب الهدهد نتف ريشه وطرحه في الشمس . قوله { فمكث غير بعيد } أي لبث غير بعيد ، وفى ماضيه لغتان - فتح الكاف وضمها - ثم جاء سليمان ، فقال معتذراً عن تأخره ، واخلاله بموضعه { أحطت بما لم تحط به } أي علمت ما لم تعلم ، وعلم الاحاطة هو أن يعلمه من جميع جهاته التي يمكن أن يعلم عليها تشبيهاً بالسور المحيط بما فيه . ثم قال له { وجئتك من سبأ } يا سليمان يا نبي الله { بنبأ } و ( سبأ ) مدينة أو قبيلة على ما بيناه . وروي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ان ( سبأ ) رجل واحد له عشرة من العرب فتيامن ستة وتشاءم أربعة ، فالذين تشاءموا : لخم ، وجذام ، وغسان ، وعاملة . والذين تيامنوا : كندة ، والاشعرون ، والازد ، ومذحج ، وحمير ، وانمار ، ومن الانمار خثعم وبجيلة . وقوله { بنبأ يقين } أي بخبر لا شك فيه ، وانه يحتاج إلى معرفته ، لما فيه من الاصلاح لقوم قد تلاعب بهم الشيطان في ذلك ، فعذره عند ذلك سليمان [ وقيل : عذر الهدهد بما أخبره بما يحبه لما فيه من الأجر وإصلاح الملك الذي وهبه الله ] ثم شرح الخبر فقال { إني وجدت امرأة تملكهم } وتتصرف فيهم بحيث لا يعترض عليها أحد ومع ذلك { أوتيت من كل شيء } أي أعطيت كل شيء ، لفظه لفظ العموم والمراد به المبالغة في كثرة ما أوتيت من نعم الدنيا وسعة الملك . وقيل : انها أوتيت كل شيء يؤتى الملوك ، والعرش العظيم سرير كريم معمول من ذهب وقوائمه من لؤلؤ وجوهر - في قول ابن عباس - ثم اخبر انه وجدها { وقومها يسجدون للشمس من دون الله } وأن الشيطان زين ذلك لهم فهم لا يهتدون إلى سبيل الحق والتوحيد واخلاص العبادة لله تعالى . ثم قال الهدهد على وجه التوبيخ والتهجين لفعلهم { ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبأ في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون } والخبء هو المخبوء ، وهو ما أحاط به غيره حتى منع من إدراكه . وضع المصدر موضع الصفة خبأته اخبائه خبأ . وما يوجده الله ويخرجه من العدم إلى الوجود فهو بهذه المنزلة فخبء السماء الامطار والرياح ، وخبء الارض الاشجار والنبات { ويعلم ما تخفون وما تعلنون } فمن قرأ بالتاء جعله للمخاطبين . ومن قرأ بالياء فللغائبين . والخبء والخفاء نظائر ، وقيل الخبء الغيب ، وهو كل ما غاب عن الادراك . وقوله { فهم لا يهتدون } دليل على أن المعارف ليست ضرورة ، لانه اراد لا يهتدون إلى دين الله . وقال الجبائي : لم يكن الهدهد عارفاً بالله وإنما أخبر بذلك ، كما يخبر مراهقوا صبياننا ، لأنه لا تكليف عليهم ولا تكيف إلا على الملائكة والجن والانس ، وهذا الذي ذكره خلاف الظاهر ، لأن الاحتجاج الذي حكاه الله عن الهدهد احتجاج عارف بالله وبما يجوز عليه وما لا يجوز ، لانه قال { وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله } ولا يجوز أن يفرق بين الحق في السجود لله وبين الباطل الذي هو السجود للشمس ، وان احدهما حسن والآخر قبيح إلا من كان عارفاً بالله وبما يجوز عليه وما لا يجوز ، وذلك ينافي حال الصبيان ، ثم نسب تزيين عملهم إلى الشيطان ، وهذا قول من عرفه وعرف ما يجوز عليه في عدله ، وأن القبيح لا يجوز عليه ، ثم حكى أنه قال إن الشيطان صدهم عن السبيل : الحق باغوائهم ، وانهم مع هذا الصد لا يهتدون إلى الحق من توحيد الله وعدله . وقال ابو عبد الله البصري في بعض المواضع : إن الهدهد كان رجلا من البشر اسمه هدهد ، ولم يكن من الطير وهذا غلط لأن الله تعالى قال { وتفقد } يعني سليمان تفقد { الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد } فكيف يحمل ذلك على انه إسم رجل ؟ ! إن هذا من بعيد الأقوال . وقال الفراء : من قرأ " ألا " بالتخفيف ، فهو موضع سجدوا ، ومن ثقل ، فلا ينبغي أن يكون موضع سجدوا وقد يجوز السجود على مخالفة تزيين الشيطان . ومعنى { ويعلم ما يخفون وما يعلنون } أي ما يسرون في نفوسهم ، وما يظهرونه . وقرأ الكسائي وحفص { ما تخفون وما تعلنون } بالتاء فيهما على الخطاب . الباقون بالياء على الخبر . ثم اخبر فقال { الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم } إلى ها هنا تمام حكاية ما قاله الهدهد . و ( العرش ) سرير الملك الذي عظمه الله ورفعه فوق السموات السبع وجعل الملائكة تحف به وترفع أعمال العباد اليه ، وتنشأ البركات من جهته فهو عظيم الشأن ، كما وصفه تعالى .