Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 6-11)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ اهل الكوفة { بشهاب قبس } منون غير مضاف جعلوا ( قبساً ) صفة للشهاب على تقدير منور . الباقون بالاضافة على تقدير ( نار ) . يقول الله تعالى مخاطبا لنبيه محمد صلى الله عليه وآله { انك } يا محمد { لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم } أي انك لتعطى لأن الملك يلقيه اليه من قبل الله تعالى ، من عند حكيم بصير بالصواب من الخطاء في تدبير الامور بما يستحق به التعظيم . وقد يفيد ( الحكيم ) العامل بالصواب المحكم للامور المتقن لها . وعليم بمعنى عالم إلا أن فيه مبالغة . وقال الرماني هو مثل سامع وسميع ، فوصفنا له بأنه عالم يفيد أن له معلوماً ، كما أن وصفه بأنه سامع يفيد بأن له مسموعاً . ووصفه بأنه عليم يفيد أنه متى صح معلومه . فهو عليم به ، كما أن ( سميعاً ) يفيد إنه متى وجد مسموع لا بد أن يكون سامعاً . وقوله { إذ قال موسى لأهله } قال الزجاج : العامل في إذ ( اذكر ) وهو منصوب به . وقال غيره : هو منصوب بـ ( عليم ) اذ قال اني آنست ناراً . فالايناس الاحساس بالشيء من جهة ما يؤنس آنست كذا ، أؤنسه ايناساً وما آنست به ، فقد أحسست به ، مع سكون نفسك اليه { سآتيكم منها بخبر } يعني بمن يدل على الطريق ويهدينا اليه ، لانه كان قد ضل { أو آتيكم بشهاب قبس } قيل : لانهم كانوا قد أصابهم البرد ، وكان شتاء فلذلك طلب ناراً . والشهاب نور كالعمود من النار ، وجمعه شهب . وقيل للكوكب الذي يمتد وينقض شهاب ، وجمعه شهب ، وكل نور يمتد مثل العمود يسمى شهاباً ، والقبس القطعة من النار قال الشاعر : @ في كفه صعدة مثقفة فيها سنان كشعلة القبس @@ ومنه قيل اقتبس النار اقتباساً أي أخذ منها شعلة ، واقتبس منه علماً أي اخذ منه نوراً يستضيء به كما يستضيء بالنار { لعلكم تصطلون } معناه ، لكي تصطلوا . ومعناه لتدفئوا ، والاصطلاء التدفي بالنار ، وصلى النار يصلي صلا إذا لزمها ، فاصله اللزوم . وقيل الصلاة منه للزوم الدعاء فيها . والمصلي الثاني بعد السابق للزومه صلو السابق . وإنما قال لامراته { لعلي آتيكم } لانه أقامها مقام الجماعة في الانس بها والسكون اليها في الامكنة الموحشة . ويجوز أن يكون على طريق الكناية على هذا التأويل . وقوله { فلما جاءها } معناه جاء النار { نودي أن بورك من في النار ومن حولها } وقيل في معناه قولان : احدهما - بورك نور الله الذي في النار ، وحسن ذلك ، لانه ظهر لموسى بآياته وكلامه من النار . في قول ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة والحسن . الثاني - الملائكة الذين وكلهم الله بها على ما يقتضيه . { ومن حولها } - في قول ابي علي الجبائي - ولا خلاف أن الذين حولها هم الملائكة الذين وكلوا بها . و { سبحان الله رب العالمين } . وقوله { أن بورك } يحتمل أن يكون نصباً على نودي موسى بأن بورك . ويحتمل الرفع على نودي البركة ، والبركة ثبوت الخير النامي بالشيء . قال الفراء العرب تقول : بارك الله ، وبورك فيك . وقوله { إنه أنا الله العزيز الحكيم } معناه ان الله قال لموسى ان الذي يكلمك هو الله العزيز القادر الذي لا يغالب ، الحكيم في افعاله ، المئزه من القبائح . قال الفراء : الهاء في قوله { إنه } عماد ، ويسميها البصريون إضمار الشأن والقصة . ثم أراد أن يبين له دلالة يعلم بها صحة النداء ، فقال { والق عصاك } من يدك ، وفي الكلام حذف ، وهو أنه القى عصاه وصارت حية { فلما رآها تهتز كأنها جان } وهي الحية الصغيرة مشتق من الاجتنان ، وهو الاستتار ، وقال الفراء : هي حية بين الصغيرة والكبيرة ، قال الراجز : @ يرفعهن بالليل إذا ما أسد فا أعناق جان وهاماً رجفاً @@ ووصف العصا في هذا الموضع { كأنها جان } وفى الشعراء بأنها ثعبان ، وهي الحية الكبيرة ، لانها جمعت صفة الجان في اهتزازه وسرعة حركته مع انه ثعبان في عظمه ، ولذلك هاله فـ { ولى مدبراً } . وقيل انها أول شيء صارت جاناً ثم تدرجت إلى ان صارت ثعباناً ، وهم يشاهدونها ، وذلك أعظم في الاعجاز . وقيل : ان الحالين مختلفان ، لان الحال التي صارت فيها جاناً هي الحال التي خاطبه الله في أول ما بعثه نبياً ، والحال التي صارت ثعباناً هي الحال التي لقي فرعون فيها . فلا تنافي بينهما على حال . وقوله { ولم يعقب } معناه ولم يرجع - في قول قتادة - وقال الجبائي معناه لم يرجع على عقبيه . والمعاقبة ذهاب واحد ومجيء آخر على وجه المناوبة . وانما وّلى منها موسى بالبشرية ، لا انه شك في كونها معجزة له ولا يضره ذلك . وقوله { يا موسى لا تخف } نداء من الله تعالى لموسى وتسكين منه ، ونهي له عن الخوف . وقال له انك مرسل و { لا يخاف لدي المرسلون } لانهم لا يفعلون قبيحاً ، ولا يخلون بواجب ، فيخافون عقابه عليه ، بل هم منزهون عن جميع ذلك . وقوله { إلا من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء } صورته صورة الاستثناء ، وهو منقطع عن الاول وتقديره لكن من ظلم نفسه بفعل القبيح ، ثم بدل حسناً بعد سوء ، بأن تاب من القبيح ، وفعل الحسن ، فانه يغفر له . وقال قوم : هو استثناء متصل وأراد من فعل صغيرة من الانبياء . فعلى هذا يكون الاستثناء متصلا - ذكره الحسن - وهذا تأويل بعيد ، لان صاحب الصغيرة لا خوف عليه أيضاً لوقوعها مكفرة . والاستثناء وقع من المرسلين الذين لا يخافون ، فالاول هو الصحيح . وقوله { ثم بدل حسناً بعد سوء } معناه ندم على ما فعله من القبيح ، وتاب منه وعزم على أن لا يعود إلى مثله في القبح ، فان من تلك صورته ، فان الله يغفر له ويستر عليه لانه رحيم . وقيل : المعنى { لا يخاف لدي المرسلون } انما الخوف على من سواهم { إلا من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء } قال الجبائي : في الآية دلالة على انه يسمى الحسن حسناً قبل وجوده وبعد تقضيه ، وكذلك القبيح ، وهذا إنما يجوز على ضرب من المجاز ، دون الحقيقة ، لان كون الشيء حسناً أو قبيحاً بقيد حدوثه على وجه لا يصح في حال عدمه ، وانما سمي بذلك بتقدير أنه متى وجد كان ذلك ، وقال قوم { إلا } بمعنى الواو ، فكأنه قال اني لا يخاف لدي المرسلون ، ولا من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء ، فاني أغفر له .