Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 76-80)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابن كثير { ولا يسمع } بياء مفتوحة وفتح الميم { الصم } بالرفع . ومثله في الروم . الباقون { تسمع } بالتاء وكسر الميم { الصم } بالنصب ، فوجه قراءة ابن كثير انه أضاف الفعل إلى الصم ، فلذلك رفعه . ووجه قراءة الباقين أنهم أضافوا الفعل إلى النهي ( صلى الله عليه وسلم ) وجعلوا الصم مفعولا ثانياً . اخبر الله تعالى أن هذا القرآن الذي انزله على نبيه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) { يقص على بني إسرائيل أكثر } الاشياء التي اختلفوا فيها الكفار . والقصص كلام يتلو بعضه بعضاً فيما ينبئ عن المعنى ، ومن اجاب غيره عما سأل لم يقل له انه يقص لانه اقتصر على مقدار ما يقتضيه السؤال . والاختلاف ذهاب كل واحد إلى خلاف ما ذهب اليه صاحبه . والاختلاف ايضاً امتناع احد الشيئين أن يسد مسد صاحبه فيما يرجع إلى ذاته . واختلاف بني اسرائيل نحو اختلافهم في المسيح حتى قالت اليهود فيه ما قالت ، وكذبت بنبوته . وقالت النصارى ما قالته من نبوته ، ووجوب إلهيته ، وكاختلاف اليهود في نسخ الشريعة ، فأجازه قوم في غير التوراة وأباه آخرون ، فلم يجيزوا النسخ أصلا ، واعتقدوا أنه بدأ . وكاختلافهم في المعجز ، فقال بعضهم : لا يكون إلا بما لا يدخل تحت مقدور العباد . وقال آخرون : قد يكون إلا أنه ما يعلم أنه لا يمكن العباد الاتيان به ، وكاختلافهم في صفة المبشر به في التوراة ، فقال بعضهم : هو يوشع بن نون . وقال آخرون : بل هو منتظر لم يأت بعد . وكل ذلك قد دل القرآن على الحق فيه . وقيل : قد بين القرآن اختلافهم في من سلف من الأنبياء . وقيل : ان بني اسرائيل اختلفوا حتى لعن بعضهم بعضاً كالاسماعينية والعنانية والسامرة . ثم وصف تعالى القرآن بـ { إنه لهدى ورحمة للمؤمنين } معناه انه بيان للحق فيما وقع الاختلاف فيه من بني اسرائيل وغيرهم إذا رجعوا اليه علموا مفهومه ، وانه من عند حكيم ، لا يقول إلا بالحق ، فالهدى الدلالة على طريق الحق الذي من سلكه اداه إلى الفوز بالنعيم في جنة الخلد ، فالقرآن هدى من هذا الوجه ، ورحمة للمؤمنين في تأديته إلى ما فيه من مرضات الله تعالى . ثم خاطب نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) فقال { ان ربك } يا محمد { يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم } أي العزيز في انتقامه من المبطلين العليم بالمحق المبين منهم من المبطل . وقيل : العليم بصحة ما يقضي به العزيز بما لا يمكن رد قضائه ، فهو يقضي بين المختلفين بما لا يمكن أن يرد ولا يلتبس بغير الحق . وفى الآية تسلية للمحقين الذين خولفوا في أمر الدين ، لان أمرهم يؤول إلى ان يحكم بينهم رب العالمين بمالا يمكن دفعه ولا تلبيسه . ثم خاطب بينه ( صلى الله عليه وسلم ) فقال { فتوكل على الله } يا محمد { إنك على الحق المبين } الظاهر البين في ما تدعو اليه ، ثم شبه الكفار بالموتى الذين لا يسمعون ما يقال لهم ، وبالصم الذين لا يدركون دعاء من يدعوهم ، من حيث انهم لم ينتفعوا بدعائه ولم يصيروا إلى ما دعاهم اليه ، فقال { إنك } يا محمد { لا تسمع الموتى } لأن ذلك محال { ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولو مدبرين } أي اعرضوا عن دعائك ولم يلتفتوا اليه ولم يفكروا في ما تدعوهم اليه ، فهؤلاء الكفار بترك الفكر في ما يدعوهم اليه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بمنزلة الموتى الذين لا يسمعون ، وبمنزلة الصم الذين لا يدركون الأصوات .