Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 11-15)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

حكى الله تعالى عن أم موسى أنها قالت لأخت موسى : قصيه أي اتبعي اثره ، يقال قصه يقصه قصاً إذ اتبع اثره ، ومنه القصص ، لانه حديث يتبع بعضه بعضاً يتبع الثاني للاول ، والاقتصاص اتباع الجاني في الأخذ بمثل جنايته في النفس . { فبصرت به عن جنب } معنى { فبصرت به } رأته ، وهو لا يتعدى إلا بحرف الجر . والرؤية تتعدى بنفسها ، وقال مجاهد : معناه عن بعد ، ومثله أبصرته عن جنابة قال الاعشى : @ أتيت حريثاً زائراً عن جنابة فكان حريث عن عطائي جامدا @@ أي عن بعد ، وقيل : معنى { عن جنب } عن مكان جنب ، وهو الجانب لأن الجنب صفة وقعت موقع الموصوف لظهور معناه ، وكان ذلك احسن واوجز { وهم لا يشعرون } قال قتادة : معناه وآل فرعون لا يشعرون انها اخته . وقوله { وحرمنا عليه المراضع } وهي جمع مرضعة ومعناه منعناه منهن وبغضناهن اليه ، فكان ذلك كالمنع والنهي ، لا أن هناك نهياً عن الفعل ، قال الشاعر : @ جاءت لتصرعني فقلت لها اقصري اني امرء صرعي عليك حرام @@ اي ممتنع فاني فارس امنعك من ذلك ، ومثله قولهم : فلان حرم على نفسه كذا بالامتناع منه ، كالامتناع بالنهي . وقوله { من قبل } أي من قبل ردّه على أمه { فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون } معناه يضمنونه برضاعه والقيام عليه ، وينصحونه في ذلك ، فقيل لأخته من أين قلت : انهم ناصحون له أعرفت أهله ، فقالت : إنما عنيت ناصحون للملك . والنصح اخلاص العمل من شائب الفساد ، وهو نقيض الغش : نصح ينصح نصحاً ، فهو ناصح في عمله ، وناصح في نفسه في توبته إذا اخلصها . وقوله { فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن } قيل : ان فرعون سأل أمه كيف يرتضع منك ، ولم يرتضع من غيرك ؟ ! قالت : لأني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا اكاد أؤتى بصبي إلا ارتضع مني . وبين تعالى انه إنما فعل ذلك { كي تقر عينها } يعني عين أمه ، فرده عليها { ولتعلم أن وعد الله حق } لا بد من كونه . ثم قال { ولكن أكثرهم } اى الخلق { لا يعلمون } حقيقة ما يراد بهم . وقيل : من قوم فرعون ما علمته أم موسى ، ومن لطيف تدبير الله تسخير فرعون لعدوه حتى تولى تربيته . وقوله { ولما بلغ أشده واستوى } قال قتادة : اشده ثلاث وثلاثون سنة ، واستوائه اربعون سنة . وقيل استواء قوته { آتيناه } يعني أعطيناه { حكماً وعلماً } قال السدى : يعني النبوة . وقال عكرمة : يعني العقل . وقال مجاهد : الفرقان . والحكم الخبر بما تدعو اليه الحكمة . والمعنى علمناه من الحكمة ما تقتضي المصلحة ، واوحينا اليه بذلك . ثم قال : ومثل ما فعلنا به نجزي أيضاً من فعل الاحسان . وفعل الطاعات والافعال الحسنة . ثم اخبر تعالى ان موسى { دخل المدينة } يعني مصر ، وقيل : غيرها { على حين غفلة من أهلها } قيل : إنه كان وقت القائلة . وقيل : لأنهم غفلوا عن ذكره لبعد عهدهم به . وقيل : انه كان يوم عيد لهم قد اشتغلوا بلهوهم ولعبهم . وقوله { فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه } قال مجاهد : يعني من شيعته إنه كان اسرائيلياً ، والآخر إنه كان قبطياً . وقال ابن اسحاق : كان احدهما مسلماً ، والآخر كافراً { فاستغاثه الذى من شيعته على الذي من عدوه } أى استنصره لينصره { فوكزه موسى } اى دفع في صدره ، وجميع كفه ( ولكزه ) مثل وكزه ولهزه { فقضى عليه } اى مات ، فقال عند ذلك موسى { هذا من عمل الشيطان } اى من اغوائه حتى زدت من الايقاع به ، وإن لم اقصد قتله . وقيل : ان الكناية عن المقتول ، فكأنه قال : ان المقتول من عمل الشيطان اي عمله عمل الشيطان . ثم وصف الشيطان بأنه { عدّو } للبشر ظاهر العداوة . وقوله { هذا من شيعته وهذا من عدوه } إشارة إلى الرجلين اللذين احدهما من شيعة موسى ، والآخر من عدوه إنما هو على وجه الحكاية للحاضر إذا نظر اليهما الناظر قال هذا من شيعته وهذا من عدوه .