Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 16-20)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
حكى الله تعالى عن موسى انه حين قتل القبطي ندم على ذلك وقال يا { رب إني ظلمت نفسي } بقتله وسأله ان يغفر له ، فحكى الله تعالى انه { غفر له } لان { الله هو الغفور } لعباده { الرحيم } بهم المنعم عليهم . وعند أصحابنا أن قتله القبطي لم يكن قبيحاً ، وكان الله أمره بقتله ، لكن كان الأولى تأخيره إلى وقت آخر لضرب من المصلحة ، فلما قدم قتله كان ترك الأولى والافضل ، فاستغفر من ذلك لا أنه فعل قبيحاً . وقال جماعة : ان ذلك كان منه صغيرة غير انها وقعت مكفرة لم يثبت عليها عقاب ، ويكون قوله { رب إني ظلمت نفسي } على الوجه الأول أي بخست نفسي حقها بأن لم أفعل ما كنت أستحق به ثواباً زائداً . وعلى المذهب الثاني مذهب من يقول بالموازنة يقول : لأنه نقص من ثوابه ، وكان بذلك ظالماً لنفسه . فأما من قال : إن ذلك كان كبيرة منه وظلماً فخارج عما نحن فيه ، لأن ادلة العقل دلت على أن الأنبياء لا يجوز عليهم شي من القبائح ، لا كبيرها ولا صغيرها . ومن قال : إنه كان ذلك صغيرة ، قال : كان دفعه له المؤدي إلى القتل صغيرة ، لا أنه قصد القتل وكان صغيرة . وقوله { قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين } معناه إن أنعمت علي فلن اكون ، فهو مشبه بجواب الجزاء ، ولذلك دخلت الفاء في الجواب ، وإذا وقع الانعام قيل لما أنعمت ، فلن اكون ، لأنها في كلا الموضعين تدل على أن الثاني وقع من أجل الاول . ويحتمل أن يكون ذلك قسماً من موسى بنعم الله عليه ، بمغفرته ، وفنون نعمه بأن لا يكون معيناً على خطيئة ، ولا يكون ظهيراً . والظهير المعين لغيره بما به يصير كالظهر له الذي يحميه من عدوه . وقوله { فأصبح في المدينة خائفاً يترقب } معناه إن موسى أصبح خائفاً من قتل القبطي ، يترقب الأخبار - في قول ابن عباس - والترقب التوقع . وقوله { فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه } يعني رأى من كان استنصره بالأمس ، بأن طلب نصرته على عدوه { يستصرخه } أي يطلب نصرته ايضاً . وقيل : يطلب الصراخ على العدو بما يردعه عن الايقاع بمن قد تعرض له { قال له موسى انك لغوي مبين } أي عادل من الرشد ، ظاهر الغواية ، ومعناه انك لغوي في قتالك من لا تطيق دفع شره عنك ، من أصحاب فرعون ، خائب فيما تقدر أن تفعله . وقوله { فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدوّ لهما } قيل : إن موسى هم أن يدفع العدو عن نفسه وعن صاحبه ، ويبطش به { قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس } قال الحسن : هو من قول الفرعوني ، لانه كان قد اشتهر أمر القتل بالأمس أنه قتله بعض بني إسرائيل . وقال ابن عباس واكثر اهل العلم انه من قول الإسرائيلي ، لانه قال له موسى انك لغوي مبين ، خاف على نفسه فظن أنه يريد الايقاع به ، فقال ما قال . وقوله { إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض } اي لست تريد بقتل من قتلته بالأمس إلا أن تكون جباراً متكبراً في الارض { وما تريد } اي ولست تريد { أن تكون من } جملة { المصلحين } . وقوله { وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى } قيل هو مؤمن آل فرعون { قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك } أي يأمر بعضهم بعضاً بقتلك . وقيل : يأتمرون معناه يرتاؤن ، قال نمر بن تولب : @ أرى الناس قد احدثوا شيمة وفى كل حادثه يؤتمر @@ أي يرتاء ، وقال آخر : @ ما تأتمر فينا فأمـ ـرك في يمينك أو شمالك @@ فقوله { فاخرج إني لك من الناصحين } حكاية ما قال الرجل لموسى ، وانه ناصح له بقوله ، يحذره من اعدائه . وقال الزجاج : وقوله { إني لك } ليست من صلة { الناصحين } لان الصلة لا تقدم على الموصول ، لكن تقديره : إني من الناصحين الذين ينصحون لك ، يقال : نصحت لك ونصحتك ، والاول اكثر .