Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 26-30)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ عاصم { جذوة } بفتح الجيم ، وقرأ حمزة وخلف بضمها . الباقون - بكسر الجيم - وفيه ثلاث لغات - فتح الجيم وضمها وكسرها . والكسر أكثر وافصح . والجذوة القطعة الغليظة من الحطب فيها النار ، وهي مثل الحزمة من أصل الشجر ، وجمعها جذى قال الشاعر : @ كانت حواطب ليلى يلتمس لها جزل الجذى غير خوار ولا ذعر @@ وقال قتادة : الجذوة الشعلة من النار . حكى الله تعالى أن احدى المرأتين قالت لابيها { يا أبت استأجره } والاستئجار طلب الاجارة ، وهي العقد على أمر بالمعاوضة ، يقال : أجره أجراً ، وآجره إجارة وايجاراً ، واستأجره استئجاراً ومنه الاجير ، والماجور . والأجر الثواب ، وهو الجزاء على الخير . ثم حكى أنها قالت لأبيها { إن خير من استأجرت القوي الأمين } قال قتادة : عرفت قوته بأنه سقى الماشية بدلو واحد ، وعرفت أمانته بغض طرفه ، وامره إياها بأن تمشي خلفه . والقوي القادر العظيم المقدور ، ومنه وصف الله تعالى بأنه القوي العزيز ، وأصل القوة شدة الفتل من قوي الحبل ، وهي طافاته التي يفتل عليها ، ثم نقل إلى معنى القدرة على الفعل . والأمانة خاصة للتأدية على ما يلزم فيها ، وهي ضد الخيانة ، والثقة مثل الأمانة . ثم حكى ما قال أبو المرأتين لموسى ( ع ) ، فانه قال له { إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين } أي ازوجك احداهما ، فالانكاح عقد ولي المرأة على غيره الزوجية ، وهو تزويجه اياها ، والنكاح تزوج الرجل المرأة ، يقال نكحها نكاحاً إذا تزوجها . وقوله { على أن تأجرني ثماني حجج } معناه على أن تجعل أجري على تزويجي إياك ابنتي رعي ماشيتي ثماني سنين ، لأنه جعل صداق ابنته هذا الذي عقد عليه ، وجعل الزيادة على المدة اليه الخيار فيها ، فلذلك قال { فإن أتممت عشراً فمن عندك } أي هبة منك غير واجب عليك . ثم اخبر انه قال { وما أريد أن أشق عليك } بأن الزمك عشر سنين { ستجدني } فيما بعد { إن شاء الله من } جملة { الصالحين } الذين يفعلون الخيرات ، وتعليق الصلاح بمشيئة الله في الآية يحتمل أمرين : احدهما - ان يريد بها الصلاح في الدنيا من صحة الجسم وتمام القوة ، فان الله تعالى يجوز ان يفعل بأنبيائه أمراضاً امتحاناً لهم ولطفاً ، فلذلك قال إن شاء الله . والثاني - ان يكون أراد ان شاء الله تبقيتي ، لانه يجوز أن يخترمه الله فلا يفعل الصلاح الديني ، فلذلك علقه بمشيئة الله . ويحتمل أن يكون ذلك لاتفاق الكلام ، ولا يكون خبراً قاطعاً ، فلا يكون بمشيئة الله شرط في فعل الصلاح وقال ابن عباس : ان موسى قضى أتما الأجلين وأوفاهما ، وقيل : انه كان جعل لموسى كل سخلة تولد على خلاف شبه امها فأوحى الله ( عز وجل ) إلى موسى ان الق عصاك في الماء فولدت كلهن خلاف شبههن . وقيل : جعل له كل بلقاء فولدن كلهن بلقاً . ثم حكى تعالى ان موسى قال له { ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي } أي لا تعدي علي لاني مخير في ذلك { والله على ما نقول وكيل } أي كاف وحسيب ، وقيل : انه من قول الشيخ ، ثم حكى تعالى ان موسى لما قضى الأجل تسلم زوجته وسار بها إلى أن { آنس من جانب الطور ناراً } اي ابصر امراً يؤنس بمثله ، والطور الجبل قال العجاج : @ آنس جربان فضاء فانكدر دانى جناحيه من الطور فمر @@ فلما رأى ذلك قال لأهله : البثوا مكانكم ، فاني ابصرت ناراً ، فامضي نحوها { لعلي آتيكم منها بخبر } يعرف منه الطريق ، فانه روي انه كان قد ضل عن الطريق { أو جذوة من النار } اى قطعة من الحطب غليظة فيها النار ، وقيل الجذوة الشعلة من النار ، لكي تصطلوا بها . وقيل : انهما كانا وجدا البرد ، فلذلك قال ما قال . ثم حكى تعالى ان موسى لما اتى النار بان قرب منها { نودي من شاطئ الواد الأيمن } اى من جانبه وهو الشط ، ويجمع شواطئ وشطاناً { من البقعة المباركة } يقال : بقعة وبقعة بالضم والفتح ، وجمعه بقاع ، ووصفها بأنها مباركة لأنه كلم الله فيها موسى { من الشجرة } قيل ان الكلام والنداء سمعه موسى من ناحية الشجرة ، لأن الله تعالى فعل الكلام فيها لا أن الله تعالى كان في الشجرة ، لانه لا يحويه مكان ، ولا يحل في جسم ، فتعالى الله عن ذلك { أن يا موسى } أي ناداه بان قال له يا موسى { إني أنا الله رب العالمين } الذي خلقت جميع الخلائق وأخرجتهم من العدم إلى الوجود .