Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 56-60)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ اهل المدينة ورويس { يجبى } بالياء . الباقون بالتاء . وقرأ ابو عمرو إلا السوسي { يعقلون } بالياء . يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله { إنك } يا محمد { لا تهدي من أحببت } هدايته . وقيل : معناه من احببته لقرابته . والمراد بالهداية - ها هنا - اللطف الذي يحتاج اليه ليختار عنده الايمان ، وذلك لا يقدر عليه غير الله لانه إما أن يكون من فعله خاصة أو باعلامه ، لأنه لا يعلم ، ما يصلح العبد في دينه إلا الله تعالى ، فاذا دبر الامور على ما فيه صلاحه كان لاطفاً له ، وهذا التدبير لا يتأتى من أحد سوى الله تعالى ، فلذلك نفى الله ذلك عن نبيه ، ويؤيد ما قلناه قوله { وهو أعلم بالمهتدين } ومعناه هو أعلم بمن يهتدي باللطف ممن لا يهتدي ، فهو تعالى يدبر الأمور على ما يعلم من صلاح العباد ، على التفصيل من غير تعليم . وهذه الآية نزلت لأن النبي صلى الله عليه وآله كان يحرص على إيمان قومه ويؤثر أن يؤمنوا كلهم ، ويجب أن ينقادوا له ويقروا بنبوته ، وخاصة أقاربه . فقال الله تعالى له : إنك لا تقدر على ذلك ، وليس في مقدورك ما تلطف بهم في الايمان ذلك بل في مقدور الله يفعله بمن يشاء إذا علم أنهم يهتدون عند شيء فعله بهم فلا ينفع حرصك على ذلك . وروي عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وغيرهم أنها نزلت في أبي طالب . وعن ابي عبد الله وابي جعفر إن أبا طالب كان مسلماً وعليه اجماع الامامية ، لا يختلفون فيه ، ولهم على ذلك أدلة قاطعة موجبة للعلم ليس هذا موضع ذكرها . ثم قال تعالى حاكياً عن الكفار انهم قالوا : إن نتبع محمداً وما يدعونا اليه ونقول انه هدى وموصل إلى الحق { نتخطف من أرضنا } وقيل : انها نزلت في الحارث بن نوفل بن عبد مناف ، فانه قال للنبي صلى الله عليه وآله انا لنعلم أن قولك حق ولكن يمنعنا أن نتبع الذي معك ، ونؤمن بك مخافة أن يتخطفنا العرب من أرضنا يعني مكة ، ولا طاقة لنا بالعرب فقال الله تعالى { أو لم نمكن لهم حرماً آمنا } فالتخطف اخذ الشيء على الاستلاب من كل وجه : تخطف تخطفاً واختطف اختطافاً وخطفه يخطفه خطفاً قال امرؤ القيس : @ نخطف خزان الشربة بالضحى وقد حجرت منها ثعالب أورال @@ فقال الله تعالى لهم { أولم نمكن لهم حرماً آمنا } وقيل في وجه جعله الحرم آمناً وجهان : احدهما - بما طبع النفوس عليه من السكون إليه بترك النفور مما ينفر عنه في غيره كالغزال مع الكلب ، والحمام مع الناس وغيرهم . والوجه الآخر - بما حكم به على العباد وأمرهم أن يؤمنوا من يدخله ويلوذ به ، ولا يتعرض له ، وفائدة الآية إنا جعلنا الحرم آمنا لحرمة البيت مع أنهم كفار يعبدون الأصنام حتى أمنوا على نفوسهم وأموالهم ، فلو آمنوا لكان أحرى بأن يؤمنهم الله ، وأولى بأن يمكنهم من مراداتهم . وقوله { يجبى إليه ثمرات كل شيء } أي يجلب إلى هذا الذي جعلناه حرماً ثمرات كل شيء . فمن قرأ بالتاء فلتأنيث الثمرات . ومن قرأ بالياء ، فلأن التأنيث غير حقيقي . وقوله { رزقاً من لدنا } نصب على المصدر ، وتقديره رزقاً رزقناه من عندنا { ولكن أكثرهم لا يعلمون } ما أنعمنا به عليهم . ثم قال { وكم أهلكنا من قرية } اي من أهل قرية استحقوا العقاب { بطرت معيشتها } قال الفراء : معناه أبطرتها معيشتها ، كقولهم ابطرك مالك ، فذكرت المعيشة ، لان الفعل كان لها في الأصل فحول إلى ما أضيفت اليه فنصبت كما قال { فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً } فالبطر والاشر واحد ، وهو شق العصا بتضييع حق نعم الله ، والطغيان فيها بجحدها ، والكفر بها . ثم اخبر تعالى فقال { فتلك مساكنهم } يعني مساكن الذين أهلكهم الله { لم تسكن من بعدهم إلا قليلا } من الزمان . ثم هلكوا وورث الله تعالى مساكنهم لانه لم يبق منهم احد . ثم خاطب نبيه صلى الله عليه وآله فقال { وما كان ربك } يا محمد { مهلك القرى ، حتى يبعث في أمها رسولا } وقيل في معنى { أمها } قولان : احدهما - في أم القرى ، وهي مكة . والآخر في معظم القرى في سائر الدنيا { يتلو عليهم آياتنا } اي يقرأ عليهم حجج الله وبيناته { وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون } لنفوسهم بارتكاب المعاصي ، وكفران نعمه . ثم خاطب خلقه فقال { وما أوتيتم من شيء } اي ما اعطيتم من شيء { فمتاع الحياة الدنيا } اي هو شيء تنتفعون به في الحياة الدنيا ، وتتزينون فيها { وما عند الله } من الثواب ونعيم الجنة { خير وأبقى } من هذه النعم ، لانها باقية ، وهذه فانية { أفلا تعقلون } ذلك وتتفكرون فيه . وقوله { ثمرات كل شيء } قيل : ان ( كل ) ها هنا البعض ، لانا نعلم انه ليس يجبى إلى مكة كثير من الثمرات . وقال قوم : ظاهر ذلك يقتضى انه يجبى اليه جميع الثمرات إما رطباً او يابساً ، ولا مانع يمنع منه . ومن قرأ { تعقلون } بالتاء فلقوله { وما أوتيتم } ومن قرأ بالياء فتقديره { أفلا يعقلون } يا محمد .