Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 11-15)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اقسم الله تعالى بأنه يعلم الذين يؤمنون بالله على الحقيقة ظاهراً وباطناً فيجازيهم على ذلك بثواب الجنة ، وذلك ترغيب لهم { وليعلمن المنافقين } فيه تهديد للمنافقين مما هو معلوم من حالهم التي يستترون بها ويتوهمون انهم نجوا من ضررها ، باخفائها ، وهي ظاهرة عند من يملك الجزاء عليها ، وتلك الفضيحة العظمى بها . ثم حكى تعالى أن الذين كفروا نعم الله وجحدوها يقولون للذين آمنوا بتوحيده وصدق انبيائه { اتبعوا سبيلنا ولنحمل } نحن { خطاياكم } أي نحمل ما تستحقون عليها من العقاب يوم القيامة عنكم هزؤاً بهم واشعاراً بأن هذا لا حقيقة له ، فالمأمور بهذا الكلام هو المتكلم به أمر نفسه في مخرج اللفظ ومعناه يضمن إلزام النفس هذا المعنى ، كما يلزم بالأمر ، قال الشاعر : @ فقلت ادعي وادع فان اندى لصوت أن ينادي داعيان @@ معناه ولادع . وفيه معنى الجزاء وتقديره ان تتبعوا ديننا حملنا خطاياكم . ثم نفى تعالى أن يكونوا هم الحاملين لخطاياهم من شيء ، وانهم يكذبون في هذا القول ، لأن الله تعالى لا يؤاخذ أحداً بذنب غيره ، فلا يصح إذاً أن يتحمل احد ذنب غيره ، كما قال تعالى { ولا تزر وازرة وزر أخرى } { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } وليس ذلك بمنزلة تحمل الدية عن غيره ، ولان الفرض في الدية أداء المال عن نفس المقتول ، فلا فضل بين ان يؤديه زيد عن نفسه ، وبين ان يؤديه عمرو عنه ، لانه بمنزلة قضاء الدين . وقوله { وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم } معناه انهم يحملون خطاياهم في أنفسهم التي لا يعملونها بغيرهم ، ويحلون الخطايا التي ظلموا بها غيرهم ، فحسن لذلك فيه التفصيل الذي ذكره الله . وقوله { وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون } أى يعملون . ومعناه إنهم يسألون سؤال تعنيف وتوبيخ وتبكيت وتقريع ، لا سؤال استعلام كسؤال التعجيز في الجدل ، كقولك للوثني ما الدليل على جواز عبادة الأوثان ، وكما قال تعالى { هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } ثم اخبر تعالى انه أرسل نوحاً إلى قومه يدعوهم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له ، وانه مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ، فلم يجيبوه ، وكفروا به { فأخذهم الطوفان } جزاء على كفرهم ، فأهلكهم الله تعالى { وهم ظالمون } لنفوسهم بما فعلوه من عصيان الله تعالى والاشراك به ، والطوفان الماء الكثير الغامر ، لانه يطوف بكثرته في نواحي الارض قال الراجز : @ افناهم طوفان موت جارف @@ شبه الموت في كثرته بالطوفان . ثم اخبر تعالى انه أنجى نوحاً والذين ركبوا معه السفينه من المؤمنين به ، وجعل السفينة آية أي علامة للخلائق يعتبرون بها إلى يوم القيامة ، لأنها فرقت بين المؤمنين والكفار والعاصين والاخيار ، فهي دلالة للخلق على صدق نوح وكفر قومه .