Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 16-20)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ اهل الكوفة إلا عاصماً { أولم تروا } بالتاء . الباقون بالياء . وقرأ ابن كثير وابو عمرو { النشاءة } بفتح الشين ممدودة - هنا - وفي النجم ، والواقعة . الباقون - بسكون الشين مقصوراً - ومن قرأ بالتاء ، فعلى الخطاب تقديره : قل لهم يا محمد { أولم تروا } حين انكروا البعث والنشور { أولم تروا كيف يبدئ الله الخلق } أي إذا انكرتم الاعادة كان الابتداء أولى بالنكرة . وحيث أقروا بان الله خالقهم ابتداء فيلزمهم أن يقروا بالاعادة ثانياً . ومن قرأ بالياء ، فعلى الاخبار عنهم { ويبدئ } فيه لغتان اتى بهما القرآن بدأ الله الخلق ، وأبدأهم ، قال الله تعالى { وهو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده } فمصدر أبدأ يبدؤ إبداءاً ، فهو مبدئ . ومن قرأ ( بدأ ) يبدؤ بدءاً ، فهو بادئ ، وذاك مبدوء ، ويقال : رجع عوده على بدئه بالهمز ، وبدا يبدو ، بغير همز : ظهر . وقال ابو عمرو ( غلام تغلب ) : يجوز رجع عوده على بده - بغيره همز - بمعنى الظهور كقولهم : ما عدا مما بدا . والنشاءة والنشأة بالمد والقصر ، لغتان . كقولهم : رأفة ورآفة ، وكأبة وكآبة وهما مصدران . فالنشأة المرة الواحدة ، يقال : نشأ الغلام ، فهو ناشئ ، وامرأة ناشئة ، والجمع نواشئ ، ويقال للجواري الصغار نشأ قال نصيب : @ ولولا ان يقال صبا نصيب لقلت بنفسي النشأ الصغار @@ وانشأهم الله إنشاء ، فهو منشئ ، ونشت - بغير همز - ريحاً طيبة ، ورجل نشوان من الشراب . ورجل نشيان للخير إذا كان يتخير الخير ، حكاه تغلب . قوله { وإبراهيم إذ قال } يحتمل نصبه أمرين : احدهما - ان يكون عطفاً على قوله { وأرسلنا نوحاً إلى قومه } وتقديره وأرسلنا إبراهيم أيضاً . الثاني - بتقدير واذكر { إبراهيم } حين { قال لقومه اعبدوا الله } وحده لا شريك له ، واتقوا عقابه باتقاء معاصيه { ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون } ما هو خير لكم مما هو شر لكم . وقوله { إنما تعبدون من دون الله أوثاناً } حكاية عما قال ابراهيم لقومه كأنه قال لهم ليس تعبدون من دون الله إلا اوثاناً ، وهو جمع وثن ، وهو ما يعبد من دون الله . وقيل : ما يعمل من حجر وطين يسمى وثناً . و ( ما ) في قوله { إنما } كافة ، وليست بمعنى الذي ، لأنها لو كانت بمعنى الذي ، لكان ( اوثان ) رفعاً . وقوله { وتخلقون إفكاً } أي تعملون أصناماً ، وسماها إفكاً لادعائهم انها آلهة - وهو قول قتادة ، والجبائي - وقال ابن عباس : وتصنعون كذباً ، وتحقيقه يصنعون على ما يقدرون ، ثم قال لهم ابراهيم أيضاً { إن الذين تعبدون من دون الله } يعني الاصنام { لا يملكون لكم رزقاً } أي لا يقدرون على أن يرزقوكم ، وإنما يبتغى الرزق من القادر على المنع ، وهو الله الرازق . والملك قدرة القادر على ماله أن يتصرف فيه أتمّ التصرف ، وليس ذلك إلا لله - عز وجل - على الحقيقة لأن له التصرف والقدرة على جميع الاشياء بلا مانع ، والانسان إنما يملك ما يملكه الله ، ويأذن له في التصرف فيه . فأصل الملك لجميع الأشياء لله . ومن لا يملك أن يرزق غيره لا يستحق العبادة ، لأن العبادة تجب بأعلى مراتب النعمة . والأصنام لا تقدر على ذلك ، فاذاً لا يحسن عبادتها . ثم قال لهم { وابتغوا عند الله الرزق } أي اطلبوا الرزق من عند الله دون من سواه { واعبدوه } على ما انعم به عليكم من أصول النعم ، وأعلى مراتب الفضل { واشكروا له } ايضاً ، لأنكم اليه ترجعون يوم القيامة فيجازيكم على قدر اعمالكم . فمن عبده وشكره جازاه بالثواب . ومن عبد غيره وكفر نعمه جازاه بالعقاب . ويقال : شكرته وشكرت له يؤكد باللام . فمعنى الشكر له اختصاصه بنفسه من غير احتمال لغيره . ثم قال { وإن تكذبوا } بما اخبركم به من عند الله ، وما أدعوكم اليه من اخلاص عبادته { فقد كذب أمم من قبلكم } انبياءهم الذين بعثوا فيهم وليس { على الرسول إلا البلاغ المبين } يعني الا أن يوصل اليهم ويؤدي اليهم ما أمر به لكونه بياناً ظاهراً يمكنهم معرفته وفهمه ، وليس عليه حملهم على الايمان . ثم قال { أولم يروا كيف يبدؤا الله الخلق } اي ألم يفكروا فيعلموا كيف اخترع الله الخلق من العدم { ثم يعيده } ثانياً اذا اعدمهم بعد وجودهم . قال قتادة : معنى { ثم يعيده } بالبعث بعد الموت . وقيل ينشئه بالاحياء { ثم يعيده } بالرد إلى حال الموت . والأول أصح { إن ذلك على الله يسير } غير متعذر ، لأن من قدر على الاختراع والانشاء أولا كان على الاعادة اقدر . ومعنى { يسير } لا تعب عليه فيه ولا نصب ، وكل فعل كان كذلك ، فهو سهل يسير . والاحتجاج في ذلك أن من قدر على ذلك قادر على ارسال الرسول إلى العباد . ثم قال لنبيه محمد صلى الله عليه وآله { قل } لهؤلاء الكفار { سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الله الخلق } وفكروا في آثار من كان قبلكم ، وإلى اي شيء صار امرهم لتعتبروا بذلك فيما يؤديكم إلى العلم بربكم . وقوله { ثم الله ينشئ النشأة الآخرة } فالنشأة الآخرة اعادة الخلق كرة ثانية من غير سبب كما كان اول مرة ، لان معنى الانشاء الايجاد من غير سبب { إن الله على كل شيء قدير } اخبار منه تعالى انه قادر على كل شئ يصح ان يكون مقدوراً له .