Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 21-25)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابن كثير وابو عمرو ، والكسائي { مودة بينكم } بالرفع والاضافة . وقرأ نافع وابو بكر عن عاصم وابن عامر { مودة بينكم } منوناً منصوباً ، وروى الأعشى عن أبي بكر برفع { مودة } و { بينكم } نصب ، وقرأ حفص عن عاصم وحمزة { مودة بينكم } نصباً غير منون مضاف . من رفع يحتمل وجهين احدهما - ان يجعل { إنما } كلمتين يجعل ( ما ) بمعنى الذي ، وهو اسم ( ان ) و ( مودة ) خبره ، ومفعول اتخذتم ( هاء ) محذوفة ، وتقديره : إن الذي اتخذتموه مودة بينكم ، كما قال الشاعر : @ ذريني إنما خطائي وصوا بي علي وانما اهلكت مالي @@ يريد ان الذي أهلكته مالي . الثاني - ان يرفعها بالابتداء ، و { في الحياة الدنيا } خبرها . ومن نصب جعل ( المودة ) مفعول ( اتخذتم ) . ومن أضاف جعل البين الوصل . ومن لم ينون ولم يضف جعل ( البين ) ظرفاً . وهو الفراق ايضاً . يقال : بينهما بين بعيد ، وبون بعيد ، وجلس زيد بيننا ، وبينا بالادغام ، ذكره ابن زيد عن ابن حاتم عن الاصمعي ، يقال : بان زيد عمراً : إذا فارقه يبونه بوناً قال الشاعر : @ كأن عيني وقد بانوني غرباً نصوح غير محنوني @@ وقرأ ابي { اثماً مودة بينكم } . اخبر الله تعالى انه { يعذب من يشاء } من عباده اذا استحقوا العقاب { ويرحم من يشاء } منهم فيعفو عنهم بالتوبة وغير التوبة { وإليه تقلبون } معاشر الخلق أي اليه تحشرون وترجعون يوم القيامة . والقلب الرجوع والرد ، فتقلبون أي تردون إلى حال الحياة في الآخرة بحيث لا يملك الضر والنفع فيه إلا الله . والقلب نفي حال بحال يخالفها . ثم قال : ولستم بمعجزين في الأرض أي بفائتين ، فالمعجز الفائت بما يعجز القادر عن لحاقه . ولهذا فسروا { وما أنتم بمعجزين } أي بفائتين ، والمعنى لا تغتروا بطول الامهال { في الأرض ولا في السماء } اي لستم تفوتونه في الارض ، ولا في السماء لو كنتم فيها ، فانه قادر عليكم حيث كنتم . وقيل في ذلك قولان : احدهما - لا يفوتونه هرباً في الأرض ، ولا في السماء . الثاني - ولا من في السماء بمعجزين ، كما قال حسان : @ أمن يهجوا رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء @@ وتقديره ومن يمدحه وينصره سواء أم لا يتساوون ؟ ! وقوله { وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير } أي وليس لكم ولي ولا ناصر من دون الله يدفع عنكم عقاب الله إذا أراد بكم ، فالولي هو الذي يتولى المعونة بنفسه ، والنصير قد يدفع المكروه عن غيره تارة بنفسه وتارة بان يأمر بذلك . ثم قال تعالى { والذين كفروا بآيات الله } اي جحدوا أدلة الله ولقاء ثوابه وعقابه يوم القيامة { أولئك يئسوا من رحمتي } اخبار عن اياسهم من رحمة الله ، لعلمهم انها لا تقع بهم ذلك اليوم { وأولئك لهم عذاب اليم } اي مؤلم . وفى ذلك دلالة على ان المؤمن بالله واليوم الآخر لا يجوز ان ييأس من رحمة الله . ثم قال { فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه او حرقوه } وفى ذلك دلالة على ان جميع ما تقدم حكاية ما قال ابراهيم لقومه ، وانهم لما عجزوا عن جوابه بحجة عدلوا إلى ان قالوا اقتلوه او حرقوه وفى الكلام حذف ، وتقديره : إنهم اوقدوا ناراً وطرحوه فيها { فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآية } واضحة وحجة بينة { لقوم يؤمنون } بصحة ما اخبرناك به من توحيد الله واخلاص عبادته . ثم عاد إلى حكاية قول ابراهيم وانه قال لهم { إنما اتخذتم من دون الله اوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا . ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً } قال قتادة : كل خلة تنقلب يوم القيامة عداوة إلا خلة المتقين كما قال { الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } ومعنى الآية ان ابراهيم قال لقومه : انما اتخذتم هذه الأوثان آلهة من دون الله لتتوادوا بها في الحياة الدنيا ، ثم يوم القيامة يتبرؤ بعضكم من بعض ويلعن بعضكم بعضاً ، ومستقركم النار ، وما لكم من ينصركم بدفع عذاب الله عنكم . ثم قال لهم { ومأواكم النار } أي مستقركم و { ما لكم من ناصرين } يدفعون بالقهر والغلبة . وروى عبد الله بن احمد بن حنبل عن أبيه في كتاب التفسير أن جميع الدواب والهوام كانت تطفي عن ابراهيم النار إلا الوزغ فانها كانت تنفخ النار ، فامر بقتلها . وروى أيضاً انه لم ينتفع احد يوم طرح ابراهيم في النار بالنار في جميع الدنيا .