Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 36-40)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وإلى مدين أخاهم شعيباً } عطف على قوله { ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه } وتقديره وأرسلنا إلى مدين ، وقد فسرنا معنى { مدين } فيما تقدم { أخاهم شعيباً } وانه قال لهم { يا قوم اعبدوا الله } وحده لا شريك له ولا تشركوا معه في العبادة غيره { وارجوا اليوم الآخر } يحتمل أن يكون أراد وخافوا عقاب اليوم الآخرة بمعاصي الله ، ويحتمل ان يكون أراد واطلبوا ثواب يوم القيامة بفعل الطاعات { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } معناه لا تضطربوا بحال الجهالة يقال : عثى يعثي عثى ، كقولهم عاث يعيث عيثاً وفيه معنى الأمر بالاستقامة ، لانه إنما يخرج عن اضطراب الجهال إلى الاستقامة ، في الأفعال . والفساد كل فعل ينافي العقل أو الشرع ، فهو عبارة عن معاصي الله . ثم اخبر أن قومه كذبوه في ادعائه النبوة ولم يقبلوا منه فعاقبهم الله بعذاب الرجفة ، وهي زعزعة الأرض تحت القدم ، يقال : رجف السطح من تحت أهله يرجف رجفاً ، ورجفة شديدة ، والارجاف هو الأخبار بما يضطرب الناس لأجله من غير أن يحققونه { فأصبحوا في دارهم جاثمين } قال قتادة : ميتين بعضهم على بعض . وقيل : باركين على ركبهم ، والجاثم البارك على ركبتيه مستقبلا بوجهه الأرض . وقوله { وعاداً وثمود } أي وأهلكنا أيضاً عاداً وثمود جزاء على كفرهم { وقد تبين لكم } معاشر الناس كثير { من مساكنهم } . ثم اخبر أنه { زين لهم الشيطان اعمالهم } التي كفروا بها وعصوا الله فيها ، وذلك يدل على بطلان قول المجبرة الذين ينسبون ذلك إلى الله . ثم اخبر أن الشيطان صدهم ومنعهم عن طريق الحق { فهم لا يهتدون } اليه لاتباعهم دعاء الشيطان . وعدولهم عن الطريق الواضح { وكانوا مستبصرين } أي وكانوا عقلاء يمكنهم تمييز الحق من الباطل بابصارهم له وفكرهم فيه . وقال مجاهد وقتادة { وكانوا مستبصرين } في ضلالتهم لعجبهم به ، فتصوروه بخلاف صورته . ثم اخبر انه تعالى أهلك قارون ، وفرعون ، وهامان . ويجوز أن يكون عطفاً على ( الهاء والميم ) في قوله { فصدهم عن السبيل } وكأنه قال فصد عاداً وثمود ، وصد قارون وفرعون وهامان . وأنهم { جاءهم موسى بالبينات } يعني بالحجج الواضحات : من فلق البحر وقلب العصا وغير ذلك { فاستكبروا في الأرض } أي طلبوا التجبر فيها ، ولم ينقادوا للحق وأنفوا من اتباع موسى { وما كانوا سابقين } أي فائتين لله ، كما يفوت السابق . ثم اخبر تعالى فقال { فكلاً أخذنا بذنبه } أي اخذنا كلاً بذنبه { فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً } وهو الريح العاصفة التي فيها حصباء وهي الحصى الصغار ، وشبه به البرد والجليد ، قال الاخطل : @ ولقد علمت إذا العشار تروحت هدج الرئال تكبهن شمالا ترمي الرياح بحاصب من ثلجها حتى تبيت على العضاة جفالا @@ وقال الفرزدق : @ مستقبلين شمال الشام يضربنا بحاصب كنديف القطن منثور @@ والذين أرسل عليهم الحاصب قوم لوط - في قول ابن عباس ، وقتادة - والذين أخذتهم الصيحة ثمود وقوم شعيب - في قولهما - { ومنهم من خسفنا به الأرض } يعني قارون ، { ومنهم من أغرقنا } يعني قوم نوم وفرعون . ثم اخبر تعالى أنه لم يظلمهم بما فعل معهم { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } بجحدهم نعم الله واتخاذهم مع الله آلهة عبدوها ، وطغيانهم وفسادهم في الأرض . وذلك يدل على فساد قول المجبرة الذين قالوا : إن الظلم من فعل الله ، لأنه لو كان من فعله لما كانوا هم الظالمين لنفوسهم ، بل كان الظالم لهم من فعل فيهم الظلم