Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 21-30)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابوا جعفر { إن كانت إلا صيحة } بالرفع في الموضعين جعلها اسم ( كان ) . الباقون بالنصب على انها خبر كان . لما حكى الله تعالى ما قال لهؤلاء الكفار الرجل الذي جاءهم من اقصى المدينة وأمرهم بأن يتبعوا الرسل قال لهم ايضاً { اتبعوا } معاشر الكفار { من لا يسألكم أجراً } أي لا يطلب الأجر والجزاء والمكافأة على ما يدعوكم اليه ويحثكم عليه ، وإنما يدعوكم نصيحة لكم { وهم } مع ذلك { مهتدون } إلى طريق الحق سالكون سبيله . ثم قال لهم الذي وعظهم وحثهم على طاعة الله واتباع رسله { وما لي لا أعبد الذي فطرني } ومعناه ولم لا أعبد الله واتبع رسله ، ومالي لا أعبد الذي فطرني ، ومعناه ولم لا أعبد الله الذي خلقني وابتداني وهداني { وإليه ترجعون } أي الذي تردون اليه يوم القيامة حيث لا يملك الأمر والنهي غيره . ثم قال لهم منكراً على قومه عبادتهم غير الله { أأتخذ } أنا على قولكم { من دون الله } الذي فطرني وأنعم علي { آلهة } اعبدهم ؟ ! فهذه همزة الاستفهام والمراد بها الانكار ، لانه لا جواب لها على اصلهم إلا ما هو منكر في العقول ثم قال { إن يردني الرحمن بضر } معناه ان أراد الله إهلاكي والاضرار بي لا ينفعني شفاعة هذه الآلهة شيئاً ، ولا يقدرون على انقاذي من ذلك الضرر . ولا يغنون عني شيئاً في هذا الباب . وإذا كانوا بهذه الصفة كيف يستحقون العبادة ؟ ! ثم قال { إني إذاً لفي ضلال مبين } أي إذاً لو فعلت ما تفعلونه وتدعون اليه من عبادة غير الله أكن في عدول عن الحق . والوجه في هذا الاحتجاج أن العبادة لا يستحقها إلا من أنعم بأصول النعم ويفعل من التفضل ما لا يوازيه نعم منعم ، فاذا كانت هذه الاصنام لا يصح فيها ذلك كيف تستحق العبادة ؟ ! ثم قال مخبراً عن نفسه مخاطباً لقومه { إني آمنت } أي صدقت { بربكم } الذي خلقكم وأخرجكم من العدم إلى الوجود { فاسمعون } مني هذا القول . وقيل : انه خاطب الرسل بهذا القول ليشهدوا له بذلك عند الله . وقال ابن مسعود : إن قومه لما سمعوا منه هذا القول وطؤه بأرجلهم حتى مات . وقال قتادة : رجموه حتى قتلوه . وقال الحسن : لما أراد القوم أن يقتلوه رفعه الله اليه فهو في الجنة ، ولا يموت إلا بفناء السماء وهلاك الجنة . قال مجاهد : مثل ذلك . وقالا الجنة التي دخلها يجوز هلاكها . وقال قوم : إنهم قتلوه إلا أن الله أحياه وادخله الجنة وقال الحسن { من بعده } يعني من بعد رفعه . وقال غيره : من بعد قتله . ثم حكى الله تعالى ما يقول الملائكة لهذا الداعي من البشارة له بعد موته فانهم يقولون له { ادخل الجنة } مثاباً مستحقاً للثواب الجزيل على إيمانك بالله فيقول حينئذ { يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي } من الذنوب { وجعلني من المكرمين } عنده . فهذا المؤمن تمنى أن يعلم قومه بما أعطاه الله تعالى فيرغبوا فيه ويؤمنوا به لينالوا مثله . والاكرام هو اعطاء المنزلة الرفيعة على وجه التعظيم والتبجيل . وقد فاز من أكرمه الله بالرضوان ، كما قال تعالى { ورضوان من الله أكبر } لانه سبب يؤدي إلى الجنة . ثم حكى ما قال وانزل بهؤلاء الكفار من العذاب والاستئصال ، فقال { وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء } أي كان إهلاكهم عن آخرهم بأيسر أمر : صيحة واحدة حتى صاروا خامدين ذكره ابن مسعود ومعنى { خامدين } هالكين بتلف أنفسهم ، والمعنى إنا لم نستعن على إهلاكهم بانزال الجند من السماء { وما كنا منزلين } لهم ليهلكوهم ، وما كان إهلاكهم { إلا صيحة واحدة } عظيمة فحين سمعوها هلكوا من عظمها ، وماتوا من فزعها . وقوله { يا حسرة على العباد } قيل : هو قول الذي جاء من أقصى المدينة - ذكره البلخي - وقال غيره : معناه يحتمل شيئين : احدهما - يا حسرة من العباد على أنفسهم - ذكره قتادة ومجاهد - . الثاني - انهم قد حلوا محل من يتحسر عليه . وقال ابن عباس : معناه يا ويلا للعباد { ما يأتيهم من رسول } أي ليس يأتيهم من رسول من عند الله { إلا كانوا به يستهزؤن } أي يسخرون منه ويهزؤن به ، والذي حكى الله تعالى عنه مخاطباً قومه هو ما قدمنا ذكره : حبيب بن مري - في اقوال المفسرين .