Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 31-35)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة { لما } بتشديد الميم ، الباقون بتخفيفها . وقرأ اهل المدينة { الميتة } بالتشديد ، لأنه يقال : لما كان حياً ومات ميت بالتشديد ، ولما لم يكن حياً بالتخفيف - ذكره الفراء - وقرأ اهل الكوفة إلا حفصاً { وما عملت } بغير هاء . الباقون بالهاء . من قرأ { لما } بالتخفيف فانه يكون ( ما ) في قوله { لما } صلة مؤكدة ، وتكون { إن } هي المخففة من الثقيلة وتقديره ، وإن كل لجميع لدينا محضرون ، ومن قرأ بالتشديد يحتمل شيئين : احدهما - ان يكون بمعنى ( إلا ) وتقديره وان كل إلا لجميع لدينا محضرون وتكون { إن } بمعنى الجحد ، وكأنه جحد دخل على جحد ، فخرج إلى معنى الاثبات . ومثله في الاستعمال سألتك لما فعلت ، بمعنى الا فعلت . والوجه الثاني - أن يكون معنى { لما } بمعنى ( لمن ما ) فحذفت احدى الميمات ، لاجل التضعيف كما قال الشاعر : @ غداة طفت علماء بكر بن وائل وعجنا صدور الخيل نحو تميم @@ اراد على الماء ، فحذف لالتقاء المضاعف ، وأما ( ما ) في قوله { وما عملت أيديهم } يحتمل ثلاثة اوجه : احدها - ان يكون بمعنى الجحد وتقديره ليأكلوا من ثمره ، ولم تعمله أيديهم ، ويقوى ذلك قوله { أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون } والثاني - ان يكون بمعنى الذي . والثالث - ان يكون مع ما بعده بمعنى المصدر ، فعلى هذا يكون في موضع جر ، وتقديره ليأكلوا من ثمره ومن الذي عملته او من عمل ايديهم من انواع الطعوم الذي أنبتوه ، والذى غرسوه ، ومن الذي يطحنونه ويخبزونه ، فمن أثبت الهاء او حذفها تبع المصاحف ، لان المصاحف مختلفة . والهاء عائدة على ( ما ) و ( عملت ) صلتها . ومن حذف اختصر ، لأنها للمفعول به ، وكل مفعول يجوز حذفه ، كقوله { ما ودعك ربك وما قلى } يريد وما قلاك ومثله { منهم من كلم الله } يريد كلمه الله ، وكقوله { أهذا الذى بعث الله رسولا } يريد بعثه الله . يقول الله تعالى منبهاً للكفار على وجه الاستدلال على وحدانيته بأن يقول { ألم يروا } ومعناه ألم يعلم هؤلاء الكفار { كم أهلكنا قبلهم من القرون } فمعنى { كم } ها هنا للتكثير ، ويفسرها { من القرون } وتقديره ألم يروا كم قرناً أهلكنا قبلهم من القرون ، وموضع { كم } نصب بـ { يروا } - في قول الكوفيين ، وعند البصريين بـ { أهلكنا } على تقدير القرون اهلكنا او اكثر { أنهم إليهم لا يرجعون } ونصب { أنهم } لأنه مفعول { ألم يروا } وكسره الحسن على وجه الاستئناف ، ووجه الاحتجاج بذلك هو انه قيل لهم : انظروا لم لا يرجعون فانكم تجدون ذلك في قبضة مالكهم يردهم في الآخرة إذا شاء ردهم ، لأنه لا يخلو إهلاكهم اما بالاتفاق من غير اضافة او بالطبيعة او بحي قادر ، ولو كان بالاتفاق او بالطبيعة لم يمتنع ان يرجعوا إلى الدنيا ، فاذا بطل ذلك ، ثبت أن إهلاكهم بحي قادر إذا شاء ردهم وإذا شاء لم يردهم . ووجه التذكر بكثرة المهلكين أى انكم ستصيرون إلى مثل حالهم ، فانظروا لانفسكم واحذروا أن يأتيكم الاهلاك ، وانتم في غفلة عما يراد بكم . والقرون جمع ( قرن ) وأهل كل عصر يسمى قرناً ، لاقترانهم في الوجود والقرن - بكسر القاف - هو المقاوم في الحرب ، ومنه قرن الشاة لمقارنته القرن الآخر ، وكذلك كل ذى قرنين . وقال قتادة { أنهم إليهم لا يرجعون } عاد وثمود ، وقرون بين ذلك كثيرة . ثم قال وهؤلاء الذين لا يرجعون كلهم { لدينا محضرون } يوم القيامة يحضرهم الله ويبعثهم ليجازيهم على اعمالهم . وقوله { وآية لهم } على ذلك أي دلالة وحجة قاطعة { الأرض } يعني هي الأرض { الميتة } القحطة المجدبة وهي التي لا تنبت { أحييناها } بالنبات { واخرجنا منها حباً فمنه يأكلون } من انواع ما يأكلون { وجعلنا فيها } أي وخلقنا في الارض { جنات } يعني بساتين { من نخيل } جمع نخل { وأعناب } جمع عنب { وفجرنا فيها } في تلك الجنات { من العيون } وهي عيون الماء تنبع فيها وتجري ثم بين انه إنما خلق ذلك { ليأكلوا من ثمره } أي غرضنا نفعهم بذلك وانتفاعهم بأكل ثمار تلك الجنات { وما عملته أيديهم } أي ولم تعمل تلك الثمار ايديهم إذا ( ما ) كانت بمعنى النفي ، وإذا كانت معناها معنى الذي يكون تقديره ، والذي عملته ايديهم من انواع الاشياء المتخذة من النخل والعنب وكثرة منافعه . وقوله { من ثمره } رد الكناية إلى احدهما كما قال { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله } كما قال الشاعر : @ نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف @@ وقوله { أفلا تشكرون } معناه هلا تشكرونه على هذه النعم التي عددتها .