Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 46-50)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابن كثير وابو عمرو { يخصمون } بفتح الخاء وتشديد الصاد إلا أن أبا عمرو يختلس حركة الخاء . وقرأ نافع - بفتح الياء وتسكين الخاء مشدد الصاد - يجمع بين ساكنين . وقرأ ابن عامر وعاصم والكسائي - بفتح الياء وكسر الخاء وتشديد الصاد - وقرأ حمزة - بفتح الياء وتسكين الخاء وتخفيف الصاد - فمعنى هذه القراءة : وهم يخصمون عند انفسهم في دفع النشأة الثانية والقراءتان الأوليتان بمعنى يختصمون ، فأدغمت الياء في الصاد بعد أن اسكنت . فمن أسكن الخاء ، فلأنها في الأصل ساكنة ، ومن فتحها نقل حركة الياء اليها . ومن كسر الخاء اتبع كسرتها كسرة الصاد . وفي القراء من كسر الياء اتباعاً لكسرة الخاء ، كما قالوا يهدي ، وهو يجيء عن أبي بكر . يقول : الله تعالى مخبراً عن عناد هؤلاء الكفار وشدة جهلهم بأنه { ما تأتيهم من آية } أى دلالة وحجة من حجج الله و { من } تزاد في النفي إذا أريد بها الاستغراق ، كقولهم : ما جاءني من احد ومعناه ما جاءني احد . و { من } الثانية للتبعيض ، لأنه ليس كل آيات الله جاءتهم ، غير انه تعالى قال ليس تأتيهم من آية أى أيّ آية كانت { من آيات ربهم إلا كانوا } هؤلاء الكفار { عنها معرضين } أى ذاهبين عنها وتاركين لها ومعرضين عن النظر فيها ، وكل من اعرض عن الداعي إلى كتاب الله وآياته التي نصبها لعباده ليعرفوه بها فقد ضل عن الهدى وخسر الدنيا والآخرة . ثم اخبر تعالى انه إذا قيل لهم : ايضاً { أنفقوا مما رزقكم الله } في طاعته واخرجوا ما اوجب الله عليكم في أموالكم - من الزكوات وغيرها وضعوها في مواضعها { قال الذين كفروا } بوحدانية الله وجحدوا ربوبيته وكذبوا بنبوة نبيه { أنطعم من لو يشاء الله أطعمه } احتجاجاً منهم في منع الحقوق ، بأن يقولوا كيف نطعم من الله قادر على أطعامه ؟ ! ولو شاء إطعامه أطعمه ، فاذا لم يطعمه دل على انه لم يشأ إطعامه فنحن إذاً أحق بذلك . وذهب عليهم أن الله تعبدهم بذلك ، لما فيه من المصلحة واللطف في فعل الواجبات وترك المقبحات ، فلذلك كلفهم إطعام غيرهم . و ( الرزق ) هو ما خلق الله لخلقه لينتفعوا به على وجه لا يكون لاحد منعه منه فعلى هذا الوجه لا يكون الحرام رزقاً ، فان الله تعالى قد منع منه بالنهي وقد سمي رزقاً ما يصلح للانتفاع به مجازاً ، فعلى هذا ليس كل ما رزقه الله العبد جعل له الانفاق منه والتصرف فيه ، وعلى الأول - وهو الاصح - جعل له ذلك . ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله قل لهم يا محمد { إن أنتم إلا في ضلال مبين } أي ليس لكم هداية وما انتم إلا في ذهاب عن الحق وعدول عنه بين ، فعلى هذا قول من قال : هو من قول الله تعالى صحيح . وقال قوم : هو من قول المشركين كأنهم لما قالوا : انطعم من لو يشاء الله اطعمه ؟ قالوا لرسله ليس انتم إلا في ضلال مبين في ما تدعونا اليه . ثم اخبر تعالى عن الكفار انهم { يقولون متى هذا الوعد } الذي تعدنا به من نزول العذاب بنا استهزاء بخبره صلى الله عليه وآله وخبر المؤمنين وتجرّياً على الله { إن كنتم صادقين } في ما تدعونا اليه وتخوفونا منه . فقال الله تعالى في جوابهم { ما ينظرون } أي لا ينتظرون { إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون } في هل ينزل العذاب بهم أم لا ؟ وإنما جعلهم منتظرين لما قالوا : متى هذا الوعد ، لأن من يلتمس الوعد يكون متنظراً لما وعد به { تأخذهم } في حال خصامهم { فلا يستطيعون توصية } أي لا يقدر بعضهم على ان يوصي إلى بعض { ولا إلى أهلهم يرجعون } أى لا يردون إلى اهلهم فيوصون اليهم . والصيحة التي تأخذهم هي الصيحة الأولى في الدنيا عند قيام الساعة { تأتيهم بغتة } والرجل يسقي أبله وآخر يبيع سلعته على عادتهم في تصرفاتهم ، فاذا اخذتهم ونزلت بهم لم يستطيعوا توصية ولم يرجعوا إلى أهلهم للمعاجلة ، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال " هي ثلاث نفخات : نفخة الفزع ، ونفخة الصعق ، ونفخة القيام لرب العالمين " .