Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 51-60)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو { في شغل } خفيفة . الباقون بضم الغين مثقلة ، وهما لغتان . وقرأ ابو جعفر { فكهون } بغير ألف حيث وقع ، وافقه حفص والداحوني عن ابن ذكوان في ( المطففين ) . وقرأ اهل الكوفة إلا عاصما { في ظلل } على انه جمع ظلة مثل ظلمة وظلم وتحفة وتحف ، الباقون { في ظلال } مثل برمة وبرام ، وقلة وقلال . وقيل : هو جمع ظل وظلال ، وهو الكن ، كما قال { يتفيؤ ظلاله } وقال ابو عبيدة : هو جمع الظل أظلال . يقول الله تعالى مخبراً { ونفخ في الصور } وقيل : إن الصور قرن ينفخ فيه إسرافيل فيخرج من جوفه صوت عظيم يميل العباد اليه ، لأنه كالداعي لهم إلى نفسه . وقال أبو عبيدة : الصور جمع صورة مثل بسرة وبسر ، ولو جعلوه مثل ( ظلمة ، وظلم ) لقالوا : صور بفتح الواو ، وهو مشتق من الميل ، صاره يصوره صوراً إذا أماله ومنه قوله { فصرهن إليك } أي أملهن اليك ومنه الصورة ، لأنها تميل إلى مثلها بالمشاكلة . وقوله { فإذا هم من الأجداث } وهو جمع جدث ، وهو القبر ، فلغة اهل العالية بالثاء ، ولغة أهل السافلة بالفاء يقولون : جدف إلى ربهم ينسلون أي يسرعون والنسول الاسراع في الخروج كما قال الشاعر : @ عسلان الذئب أمسى قارباً برد الليل عليه فنسل @@ يقال : نسل ينسل وينسل نسولا ، قال امرؤ القيس : @ وإن تك قد ساءتك مني خليقة فسلي ثيابي من ثيابك تنسل @@ وقال قتادة : الموتة بين النفختين . ثم حكى ما يقول الخلائق إذا حشروا ، فانهم { يقولون يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا } أي من حشرنا من منامنا الذي كنا فيه نياماً ، ثم يقولون { هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون } في ما أخبرونا عن هذا المقام وعن هذا البعث . فان قيل : هذا ينافي قول المسلمين الذين يقولون : الكافر يعذب في قبره ، لأنه لو كان معذباً لما كان في المنام ! . قيل : يحتمل ان يكون العذاب في القبر ولا يتصل إلى يوم البعث ، فتكون النومة بين الحالين . يحتمل لو كان متصلا أن يكون ذلك عبارة عن عظم ما يشاهدونه ويحضرون فيه يوم القيامة ، فكأنهم كانوا قبل ذلك في مرقد ، وإن كانوا في عذاب لما كان قليلا بالاضافة إلى الحاضر . وقال قتادة : قوله { هذا ما وعد الرحمن } حكاية قول المؤمن . وقال ابن زيد والجبائي : هو قول الكفار ، وهو أشبه بالظاهر ، لأنه تعالى حكى عنهم انهم يقولون : يا ويلنا ، والمؤمن لا يدعو بالويل لعلمه بماله من نعيم الجنة . وقال الفراء : هو من قول الملائكة . وقال تعالى مخبراً عن سرعة بعثهم وسرعة اجتماعهم { إن كانت إلا صيحة واحدة } والمعنى ليست المدة إلا مدة صيحة واحدة { فإذا هم جميع لدينا محضرون } ثم حكى تعالى ما يقوله - عز وجل - يومئذ للخلائق فانه يقول لهم { فاليوم لا تظلم نفس شيئاً } أي لا ينقص من له حق من حقه شيئاً من ثواب او عوض او غير ذلك ، ولا يفعل به مالا يستحقه من العقاب بل الامور جارية على العدل { ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون } ومعناه لا يجازى الانسان إلا على قدر عمله ، إن كان عاملا بالطاعة جوزي بالثواب . وإن كان عاصياً جوزي بالعقاب على قدر عمله من غير زيادة عليه ولا نقصان ، إلا أن يتفضل الله باسقاط عقابه . ثم قال تعالى { إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون } يعني يشغلهم النعيم الذي يغمرهم بسرورهم به عن غيره . وقال ابن مسعود وابن عباس : الشغل كناية عن افتضاض الابكار . وقيل استماع الألحان { فاكهون } قال ابن عباس : معناه فرحون . وقال مجاهد : عجبون ، وقيل : ذو فاكهة ، كما يقال لاحم شاحم أي ذو لحم وشحم ، وعاسل ذو عسل ، قال الحطيئة : @ وعززتني وزعمت انك لابن في الصيف تامر @@ أي ذو لبن وتمر . وقيل : فاكه وفكه مثل حاذر وحذر . والفكه الذي يتمرى بالشيء . ثم اخبر عن حال أهل الجنة فقال { هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك } فالازواج جمع زوجة وهي حرة الرجل الذي يحل له وطؤها . ويقال للمرأة زوج ايضاً بغير هاء في الموضع الذي لا يلتبس بالذكر ، والظلال الستار عن وهج الشمس وسمومها ، فاهل الجنة في مثل ذلك الحال في الطيبة من الظلال الذي لا حر فيه ولا برد . وقيل : الظل الكن وجمعه ظلال . وقيل هو جمع ظلة وظلال ، مثل قلة وقلال ، ومن قرأ ظلل ، فعلى وزن ظلمة وظلم ، وقلة وقلل . والارائك جمع أريكة وهي الوسادة ، وجمعها وسائد ، ويجمع أيضاً أرك كقولهم سفينة وسفن وسفائن ، وهذه جلسة الملوك العظماء من الناس . وقيل الارائك الفرش ، قال ذو الرمة : @ خدوداً جفت في السير حتى كأنما يباشرن بالمعزاء مس الارائك @@ وقال عكرمة وقتادة : الارائك الحجال على السرر { متكئون } فمتكئ مفتعل من توكأت ، إلا أن الواو أبدلت تاء . ثم قال { لهم فيها } في الجنة { فاكهة ، ولهم ما يدعون } أي ما يتمنون ، وقال ابو عبيدة : يقول العرب : ادع على ما شئت أي تمن ما شئت ، وقيل : معناه إن من ادعى شيئاً فهو له بحكم الله تعالى ، لانه قد هذبت طباعهم ، فلا يدعون إلا ما يحسن منهم . وقوله { سلام قولاً من رب رحيم } معناه ولهم سلام قولا من رب رحيم يسمعونه من الله تعالى ويؤذنهم بدوام الأمن والسلامة ودوامهما مع سبوغ النعمة والكرامة . ثم يقول للعصاة { امتازوا اليوم أيها المجرمون } ومعناه انفصلوا معاشر العصاة وامتازوا ، الذين اجترموا وارتكبوا من المعاصي من جملة المؤمنين ، وقال قتادة : معناه اعتزلوا معاشر العصاة عن كل خير ، يقال تميز الشيء تميزاً ، وميزته تمييزاً ، وأنماز انميازاً . ثم حكى ما يقول تعالى لهم فانه يقول لهم { ألم أعهد إليكم يا بني آدم } يعني على لسان أنبيائه { أن لا تعبدوا الشيطان } فجعل عبادتهم للاوثان بأمر الشيطان عبادة له { إنه لكم عدو مبين } أي ، وقلت لكم أن الشيطان لكم عدو مبين أي ظاهرة عداوته لكم .