Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 157-158)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

[ المعنى ] : هذه الآية عطف على ما قبلها وتقديره ، فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بايات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق ، وقولهم : قلوبنا غلف وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ، أنزلنا من العذاب ، وأوجبنا لهم من العقاب ، لان اخبارهم انهم قتلوا المسيح يقيناً ، وما قتلوه ، كفر من حيث هو جرأة على الله في قتل أنبيائه ، ومن دلت المعجزات على صدقه ، ثم كذبهم الله في قولهم : إنا قتلناه فقال : { وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم } . واختلفوا في كيفية التشبيه الذي شبه لليهود في أمر عيسى فقال وهب بن منبه : أنى عيسى ومعه سبعة عشر من الحواريين في بيت فاحاطوا بهم ، فلما دخلوا عليهم صيرهم الله كلهم على صورة عيسى فقالوا لهم سحرتمونا ليبرزن لنا عيسى أو لنقتلنكم جميعاً ، فقال عيسى لاصحابه : من يشري نفسه منكم اليوم بالجنة ، فقال رجل منهم : انا ، فخرج اليهم فقال : أنا عيسى ، وقد صيره الله على صورة عيسى ، فاخذوه وقتلوه ، وصلبوه . فمن ثم شبه لهم ، وظنوا انهم قد قتلوا عيسى ، وظنت النصارى مثل ذلك أنه عيسى ، ورفع الله عيسى من يومه ذلك . وبه قال قتادة والسدي وابن اسحاق ومجاهد وابن جريج ، وان اختلفوا في عدد الحواريين ، ولم يذكر احد غير وهب ان شبهه ألقي على جميعهم ، بل قالوا : ألقي شبهه على واحد ، ورفع عيسى من بينهم قال ابن اسحاق : وكان اسم الذي القي عليه شبهه سرجس ، وكان احد الحواريين ، ويقال : إن الذي دلهم عليه وقال هذا عيسى أحد الحواريين أخذ على ذلك ثلاثين درهما ، وكان منافقاً ، ثم انه ندم على ذلك فاختنق حتى قتل نفسه ، وكان اسمه بودس زكريا بوطا ، وهو ملعون في النصارى ، وبعض النصارى يقول : إن بودس زكريا بوطا هو الذي شبه لهم فصلبوه ، وهو يقول : لست بصاحبكم الذي دللتكم عليه . قال الطبري : الاقوى قول ابن المنبه ، وهو ان سبعة عشر القي على جماعتهم شبه عيسى ، لانه لو كان ألقي على واحد منهم مع قول عيسى ايكم يلقى عليه شبهي وله الجنة ، ثم رأوا عيسى قد رفع من بين أيديهم لما اشتبه عليهم ، وما اختلفوا فيه ، وان جاز أن يشتبه على أعدائهم من اليهود الذين لم يكونوا يعرفونه ، لكن لما ألقي شبهه على جميعهم ، فكان يرى كل واحد بصورة عيسى ، فلما قتل واحد منهم اشتبه الحال عليهم . وهذا الذي ذكره قريب . وقال الجبائي : وجه التشبيه ان رؤساء اليهود اخذوا إنساناً فقتلوه وصلبوه على موضع عال ، ولم يمكنوا احداً من الدنو منه فتغيرت حليته وتنكرت صورته . وقالوا : قتلنا عيسى ، ليوهموا بذلك على عوامهم ، لانهم كانوا احاطوا بالبيت الذي فيه عيسى فلما دخلوه كان رفع عيسى من بينهم ، فخافوا أن يكون ذلك سبب إيمان اليهود به ، ففعلوا ذلك . والذين اختلفوا غير الذين صلبوا من صلبوه ، وهم باقي اليهود ، فان قيل : هل يجوز أن يلقي الله شبه زيد على عمر حتى لا يفصل الناظر اليهما بينهما ، كما كان يفصل قبل القاء الشبه ؟ قيل : ذلك مقدور لله بلا خلاف ، ويجوز ان يفعله عندنا تغليظاً للمحنة ، وتشديداً للتكليف ، وان كان ذلك خارقاً للعادة ، يجوز أن يجعل ذلك معجزة أو كرامة ، لبعض اوليائه الصالحين ، أو الائمة المعصومين ( ع ) . وعند المعتزلة لا يجوز ذلك الا على يدي الانبياء أو في وقتهم ، لانه لا يجوز خرق العادة عنهم إلا على يده . وقد قيل : إن اصحاب عيسى ( ع ) تفرقوا عنه حتى لم يبق غير عيسى ، وغير الذي القي شبهه عليه ، فلذلك اشتبه على النصارى ، فان قيل : كيف يجوز من الخلق العظيم ان يخبروا بالشيء على خلاف ما هو به ، وقد علمنا كثرة اليهود والنصارى ، ومع كثرتهم اخبروا ان عيسى صلب وقتل ، فكيف يجوز ان يكونوا مع كثرتهم كذابين ؟ ولئن جاز هذا لم نثق بشيء من الاخبار اصلا ويؤدي ذلك إلى قول السنمية ! قلنا : هؤلاء القوم دخلت عليهم الشبهة ، لان اليهود لم يكونوا يعرفون عيسى ، وانما اخبروا انهم قتلوا واحداً ، وقيل لهم انه عيسى ، فهم في ذلك صادقون ، وان لم يكن المقتول عيسى . وأما النصارى فاشتبه عليهم ، لانه كان ألقي شبهه على غيره ، فلما رأوا من هو في صورته مقتولا ، ظنوا انه عيسى ، فلم يخبر احد من الفريقين بما ظن ان الامر على ما اخبر به ، فلا يؤدي ذلك الى بطلان الاخبار بحال . وقوله : { وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً } يعني به الذين أحاطوا بعيسى واصحابه حيث أرادوا قتله لانهم كانوا قد عرفوا عدة من في البيت ، فلما دخلوا عليهم فقدوا واحداً منهم ، فالتبس عليهم أمر عيسى بفقدهم واحداً من العدة ، وقتلوا من قتلوا على شك منهم في أمر عيسى . هذا على قول من قال : لم يتفرق أصحابه حتى دخل عليهم اليهود واما من قال تفرقوا عنه ، فانه يقول : اختلافهم كان بأن عيسى هل كان في من بقي في البيت أو كان في الذين خرجوا . فاشتبه الامر عليهم . قال الزجاج : وجه اختلاف النصارى أن منهم من ادعى انه له لا يقتل ، ومنهم من قال قتل ، فكذب الله الجميع . وقوله : { إلا اتباع الظن } استثناء منقطع . وتقديره لم يكن لهم بمن قتلوه علم لكنهم اتبعوه ظناً منهم انه عيسى ، ولم يكن به . وقوله : { وما قتلوه يقيناً } معناه وما قتلوا ظنهم الذي اتبعوا المقتول الذي قتلوه ، وهم يحسبونه عيسى يقيناً إنه عيسى ، ولا انه غيره ، لكنهم كانوا منه على ظن وشبهة ، كما يقول القائل : ما قتلت هذا الامر علما ، وما قتلته يقيناً : إذا تكلم فيه بالظن على غير يقين . فالهاء في { قتلوه } عائدة على الظن . وقال ابن عباس وجويبر وما قتلوا ظنهم يقيناً . وحكى الزجاج عن قومهم : أن الهاء راجعة إلى عيسى ( ع ) . نفى الله عنه القتل على وجه التحقيق واليقين . وقال السدي : وما قتلوا أمره يقينا إن الرجل هو عيسى ( ع ) وقوله : { بل رفعه الله إليه } يعني بل رفع الله المسيح اليه ، ولم يقتلوه ، ولم يصلبوه ، لكن الله رفعه وطهره من الذين كفروا وقوله : { كان الله عزيزاً حكيماً } معناه لم يزل الله عزيزاً منتقما من اعدائه كانتقامه من الذين اخذتهم الصاعقة بظلمهم ، وكلعنه من نقض ميثاقه وفعل ما قصه الله ، حكيما في افعاله وتدبيراته وتصريفه خلقه في قضائه ، واحذروا أيها السائلون محمداً ان ينزل عليكم كتابا من السماء - حلول عقوبته بكم ، كما حل باوائلكم الذين فعلوا فعلكم في تكذيبهم رسلي وأفترائهم على اوليائى . وبه قال ابن عباس . وقوله : { بل رفعه الله } . [ القراءة والحجة ] : في القراء من ادغم اللام في الراء وعليه الاكثر . وهو الأقوى لقرب مخرج اللام من مخرج الراء . وهو أقوى من ادغام الراء في اللام ، لان في الراء تكويراً فهو يجري مجرى الحرفين . ومن لم يدغم قال : لانه من كلمتين . وقال الفراء : لا يجوز غير الادغام . وقال سيبويه : الادغام اجود وتركه جائز وهي لغة حجازية . وقوله : { بل رفعه الله إليه } معناه انه رفعه إلى الموضع الذي يختص الله ( تعالى ) بالملك ، ولم يملك احداً منه شيئا . وهو السماء ، لانه لا يجوز ان يكون المراد انه رفعه إلى مكان هو ( تعالى ) ، فيه لان ذلك من صفات الاجسام ( تعالى الله عن ذلك ) وعلى هذا يحمل قوله حكاية عن ابراهيم { إني ذاهب إلى ربي } يعني إلى الموضع الذي امرني به ربي ومثل قوله : { ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله } يعني مهاجراً إلى الموضع الذي أمره الله بالهجرة اليه .