Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 26-30)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ عاصم وحمزة والكسائي ويعقوب " او ان " بالف قبل الواو . الباقون " وأن " بغير الف . وقرأ نافع ويعقوب وابو جعفر وابو عمرو وحفص عن عاصم " يظهر " بضم الياء " الفساد " نصباً . الباقون " يظهر " بفتح الياء " الفساد " رفعاً . من نصب ( الفساد ) أشركه مع التبديل ، وتقديره إني أخاف ان يبدل دينكم واخاف ان يظهر الفساد ، ومن رفع لم يشركه ، وقال تقديره إني اخاف ان يبدل دينكم ، فاذا بدل ظهر في الأرض الفساد . وكلتا القراءتين حسنة فأما ( او ) فقد تستعمل بمعنى الواو ، كما قلناه فى { وأرسلناه إلى مئة ألف أو يزيدون } أي ويزيدون أو بل يزيدون . ولا تكون الواو بمعنى ( او ) في قول أبي عبيدة . وقال ابن خالويه إذا كانت ( او ) اباحة كانت الواو بمعناها ، لأن قولك : جالس الحسن او ابن سيرين بمنزلة الاباحة ، وكذلك قوله { ولا تطع منهم آثما أو كفوراً } لان معناه ولا كفوراً . وقال ابو علي : من قرأ ( وأن ) فالمعنى إني أخاف هذا الضرب منه كما تقول كل خبزاً او تمراً أي هذا الضرب . ومن قرأ ( وأن ) المعنى إني اخاف هذين الأمرين وعلى الاول يجوز ان يكون الأمران يخافا ، ويجوز أن يكون احدهما ، وعلى الثاني هما معاً يخافان ، ومن ضم الياء في قوله " ويظهر " فلأنه اشبه بما قبله ، لان قبله يبدل فأسند الفعل إلى موسى وهم كانوا في ذكره ، ومن فتح الياء اراد انه إذا بدل الدين ظهر الفساد بالتبديل او اراد يظهر الفساد بمكانه . وقال قوم : اراد بـ ( او ) الشك لان فرعون قال إني أخاف ان يبدل موسى عليكم دينكم ، فان لم يفعله فيوقع الفساد بينكم ، ولم يكن قاطعاً على احدهما به . وروي رواية شاذة عن أبي عمرو : انه قرأ " وقال رجل " باسكان الجيم . الباقون بضمها وذلك لغة قال الشاعر : @ رجلان من ضبة اخبرانا إنا راينا رجلا عريانا @@ اراد رجلين فأسكن وهو مثل قولهم : كرم فلان بمعنى كرم . حكى الله تعالى عن فرعون انه قال لقومه { ذروني } ومعناه أتركوني اقتل موسى ، وذلك يدل على ان فى خاصة فرعون كان قوم يمنعونه من قتل موسى ، ومن معه ويخوفونه ان يدعو ربه فيهلك ، فلذلك قال ذروني اقتله وليدع ربه ، كما تقولون . وقال قوم : ذلك حين قالوا له هو ساحر فان قتلته قويت الشبهة بمكانه بل { أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين } { وليدع ربه } في دفع القتل عنه ، فانه لا يخشى من دعائه شيء ، وهذا عنف من فرعون وتمرد وجرأة على الله وإيهام لقومه بأن ما يدعو به موسى لا حقيقة له . ثم قال فرعون { إني أخاف أن يبدل } يعني موسى { دينكم } وهو ما تعتقدونه من إلهيتي { أو أن يظهر في الأرض الفساد } بأن يتبعه قوم نحتاج ان نقاتله فيخرب في ما بين ذلك البلاد ، ويظهر الفساد . وقال قتادة : الفساد عند فرعون ان يعمل بطاعة الله . فمن قرأ " او ان " فانه جعل المخوف احد الامرين وإن جعل ( او ) بمعنى الواو جعل الأمرين مخوفين معاً ، ومن قرأ بالواو جعل المخوف الأمرين معاً : تبديل الدين وظهور الفساد . والتبديل رفع الشيء إلى غيره في ما يقع موقعه إلا انه بالعرف لا يستعمل إلا في رفع الجيد بالردي ، والفساد انتقاض الأمر بما ينافي العقل او الشرع او الطبع ، ونقيضه الصلاح . والاظهار جعل الشيء بحيث يقع عليه الادراك . ثم حكى تعالى ما قال موسى عند ذلك فانه قال { إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب } والعياذ هو الاعتصام بالشيء من عارض الشر ، عذت بالله من شر الشيطان واعتصمت منه بمعنى واحد . ومن أظهر ولم يدغم . قال : لان مخرج الذال غير مخرج التاء . ومن ادغم فلقرب مخرجهما ، والمعنى اني اعتصمت بربي وربكم الذي خلقني وخلقكم من كل متكبر على الله متجبر عن الانقياد له لا يصدق بالثواب والعقاب فلا يخاف . وقوله { وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات } يعني الحجج الواضحة { من ربكم } قال السدي كان القائل ابن عم فرعون ، فعلى هذا يكون قوله { أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } مخصصاً ، وقال غيره كان المؤمن إسرائيلياً يكتم إيمانه عن آل فرعون ، فعلى هذا يكون الوقف عند قوله { وقال رجل مؤمن } ويكون قوله { من آل فرعون } متعلقاً بقوله { يكتم } أي يكتم إيمانه من آل فرعون . والأول اظهر في اقوال المفسرين . وقال الحسن : كان المؤمن قبطياً . وقوله { وإن يك كاذباً فعليه كذبه } معناه إن المؤمن قال لفرعون إن يك موسى كاذباً في ما يدعوكم اليه فوبال ذلك عليه وان يك صادقاً في ما يدعيه يصيبكم بعض الذي يعدكم ، قيل : انه كان يتوعدهم بأمور مختلفة ، قال ذلك مظاهرة في الحجاج والمعنى انه يلقي بعضه . والمراد يصيبكم بعضه في الدنيا . وقيل : هو من لطيف الكلام ، كما قال الشاعر : @ قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل @@ ثم قال { إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب } أي لا يحكم بهداية من كان مسرفاً على نفسه ومتجاوز الحد في معصية الله كذاباً على الله . ويحتمل ان يكون المراد ان الله لا يهدي الى طريق الثواب والجنة من هو مسرف كذاب ويجوز ان يكون ذلك حكاية عما قال المؤمن من آل فرعون . ويجوز ان يكون ذلك ابتداء خبر من الله تعالى بذلك ، ثم قال يعني مؤمن آل فرعون { ياقوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا } أي لكم الملك والسلطان على اهل الارض وذلك لا يمنع من بأس الله { قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد } في ما ادعوكم من الهيتي وتكذيب موسى . ثم حكى ما قال المؤمن فقال { وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم } عذاباً { مثل } عذاب { يوم الأحزاب } قال قوم : القائل لذلك موسى نفسه ، لان مؤمن آل فرعون كان يكتم ايمانه ، وهذا ضعيف لأن قوله هذا كقوله { أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله } وكما اظهر هذا جاز ان يظهر ذلك .