Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 44, Ayat: 22-29)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابو جعفر ( فاكهين ) بغير الف - ها هنا - وفى المطففين . وفي الطور وافقه الداجوني وحفص فى المطففين . حكى الله تعالى أن موسى حين يئس من قومه ان يؤمنوا به { دعا } الله { ربه } فقال { إن هؤلاء قوم مجرمون } وقيل إنه دعا بما يقتضيه سوء افعالهم وقبح إجرامهم وسوء معاملتهم له ، فكأنه قال : اللهم عجل لهم بما يستحقونه باجرامهم ومعاصيهم بما به يكونون نكالا لمن بعدهم ، وما دعا بهذا الدعاء إلا بعد إذن الله له فى الدعاء عليهم . وقوله { فأسر بعبادي } الفاء وقعت موقع الجواب ، وتقديره فدعا فأجيب بأن قيل له { فأسر بعبادي } فهي عطف وقع موقع جواب الدعاء . وأمره الله تعالى بأن يسير بأهله والمؤمنين به لئلا يروهم إذا خرجوا نهاراً ، واعلمه { إنكم متبعون } أنه سيتبعهم فرعون وقومه ويخرجون خلفهم ، وامره بأن { يترك البحر رهواً } أي ساكناً على ما هو به من كثرته إذا قطعه ، ولا يرده إلى ما كان ويقال : عيش راه إذا كان خفضاً وادعاً . وقال قوم : معناه اترك البحر يبساً . وقيل : طريقاً يابساً . وقال ابن الاعرابي : معناه واسعاً ما بين الطاقات . وقال خالد ابن خيبري : معناه رمثاً أي سهلا ليس برمل ولا حزن . ذكره الأزهري يقال : جاء الخيل رهواً أي متتابعة . وقال ابن الاعرابي الرهو من الخيل والطير السراع . وقال العكلي : المرهي من الخيل الذي تراه كأنه لا يسرع ، وإذا طلب لا يدرك ، ويقال : أعطاه سهواً رهواً أي كثيراً لا يحصى . وإنما قيل ذلك ، لأنه كان أمره أولا ان يضرب البحر بعصاه ليفلق فيه طرقاً لقومه ثم أمره بأن يتركه على الحالة الأولى ليغرق فيه فرعون وجنده ، قال الشاعر : @ طيراً رأت بازياً نضح الدماء به وأمة اخرجت رهواً إلى عيد @@ أي سكوناً على كثرتهم . ثم اخبره عن فرعون وقومه بـ { إنهم جند مغرقون } أي سيغرقهم الله . وفي الكلام حذف ، لان تقديره ان موسى سار بقومه وتبعه فرعون وجنده وأن الله أهلكهم وغرقهم . ثم اخبر عن حالهم بأن قال { كم تركوا من جنات } يعني من بساتين لهم تركوها لم تنفعهم حين نزل بهم عذاب الله { وعيون } جارية لم تدفع عنهم عقاب الله { وزروع } جمع زرع { ومقام كريم } قيل : هو المجلس الشريف . وقيل : مقام الملوك والامراء والحكماء . وقيل : المنازل الحسنة . وقال قتادة : يعني مقام حسن بهج . وقال مجاهد وسعيد بن جبير : هي المناظر . وقيل : المنابر . وقيل : المقام الكريم هو الذي يعطي اللذة ، كما يعطي الرجل الكريم الصلة { ونعمة كانوا فيها فاكهين } ، فالنعمة - بفتح النون - التنعيم - وبكسرها - منفعة يستحق بها الشكر ، وإن كانت مشقة ، لأن التكليف نعمة وإن كانت فيه مشقة . ومعنى الآية انهم كانوا متمتعين . فالفاكة المتمتع بها بضروب اللذة ، كما يتمتع الآكل بضروب الفاكة ، يقال : فكه يفكه فكهاً ، فهو فاكه ، وفكه وتفكه يتفكه تفكهاً ، فهو متفكه . وقوله { كذلك وأورثناها قوماً آخرين } فتوريثه النعمة إلى الثاني بعد الأول بغير مشقة كما يصير الميراث إلى أهله على تلك الصفة ، وتوريث العلم شبه بذلك ، لأن الأول تعب فى إستخراجه وتوطئة الدلالة المؤدية اليه ، ووصل إلى الثاني وهو رافه وادع ، لم يكل لطول الفكر وشدة طالب العلم ، فلما كانت نعمة قوم فرعون وصلت بعد هلاكهم إلى غيرهم ، كان ذلك توريثاً من الله لهم . قال قتادة : يعني بقوم آخرين بني اسرائيل ، لأن بني اسرائيل رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون على ما قيل ، وكذلك قال فى موضع آخر { وأورثناها بني إسرائيل } وقوله { فما بكت عليهم السماء والأرض } قيل فى معناه ثلاثة اقوال : احدها - قال الحسن فما بكى عليهم - حين اهلكهم الله - أهل السماء واهل الأرض ، لانهم مسخوط عليهم مغضوب عليهم بانزال الخزي بهم . الثاني - إن التقدير ان السماء والارض لو كانتا ممن يبكى على أحد إذا هلك لما بكتا على هؤلاء ، لانهم ممن أهلكهم الله بالاستحقاق وانزل عليهم رجزاً بما كانوا يكفرون . والعرب تقول : إذا أرادت أن تعظم موت إنسان : اظلمت الشمس وكسف القمر لفقده وبكت السماء والارض ، وإنما يريدوا المبالغة قال الشاعر : @ الريح تبكي شجوها والبرق يلمع فى الغمامه @@ وقال آخر : @ والشمس طالعة ليست بكاسفة تبكي عليك نجوم الليل والقمر @@ الثالث - انهم لم يبك عليهم ما يبكى على المؤمن إذا مات ، مصلاه ومصعد علمه - ذكره ابن عباس وابن جبير - ومعناه لم يكن لهم عمل صالح . وقال السدي : لما قتل الحسين عليه السلام بكت السماء عليه وبكاؤها حمرة أطرافها . وقال الحسن : ما بكى عليهم المؤمنون والملائكة ، بل كانوا بهلاكهم مسرورين . وقوله { وما كانوا منظرين } أي عوجلوا بالعقوبة ولم يمهلوا .