Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 14-14)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { ومن الذين قالوا إنا نصارى } انما لم يقل : من النصارى لما قاله الحسن : من أنه اراد تعالى بذلك أن يدل على أنهم ابتدعوا النصرانية التي هم عليها اليوم ، وتسموابها . وقوله : { أخذنا ميثاقهم } يعني بتوحيد الله عز وجل ، والاقرار بنبوة المسيح ، وجميع انبياء الله وانهم كلهم عبيد الله لا يذكر . وقال ابو علي : معناه تركوا العمل به ، فكان كالذي لا يذكر . وقوله : { مما ذكروا به } يعني فيما أنزله الله على موسى وعيسي في التوراة والانجبيل ، والكتب المتقدمة . وقوله : { فأغرينا بينهم } قال مجاهد وقتادة وابن زيد والسدي والجبائي : معناه بين اليهود والنصارى . وقال الربيع والزجاج والطبري : معناه بين النصارى . وهو ما وقع بينهم من الخلاف نحو الملكية ، وهم الروم والنسطورية ، واليعقوبية من العداوة . وأصل الاغراء تسليط بعضهم على بعض . وقيل : معناه التحريش . وأصله اللصوق . يقال : غريت بالرجل غرى - مقصور وممدود - ومعناه لصقت به . قال كثير : @ إذا قيل مهلا قالت العين بالبكا غراء ومدتها حوافل تهمل @@ واغريت زيداً بكذا حتى غرى به . ومنه الغراء الذى يغرى به للصوق والاغراء بالشيء معناه الالصاق من جهة التسليط . وانما أغرى بينهم بالاهواء المختلفة في الدين في قول إبراهيم . وقيل . بالقاء البغضاء بينهم - عن الحسن وقتادة - وقيل : يامر بعضهم أن يعادي بعضاً في قول ابي علي فكأنه يذهب إلى ما تقدم من الامر لهم بمعاداة الكفار . والذي يقوله أن الوجه في اغراء الله فيما بينهم أنه امر النصارى بمعاداة اليهود فيما يفعله اليهود من القبيح في التكذيب بالمسيح ، وشتم امه ، والقذف لها والغرية عليها ، واضافتها اليه تعالى ، ووصفها بما لا يليق ، وامر اليهود بمعاداة النصارى في اعتقادهم التثليث ، وان المسيح ابن الله وغير ذلك من اعتقاداتهم الفاسدة ، نقضوا هذا الميثاق واعرضوا عنه حتى صار بمنزلة المنسي فكان في ذلك أمر كل واحد منهما بالطاعة ، فان قيل يمنع من ذلك قوله : { فنسوا حظاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء } فجعل اغراءه لهم بالعداوة جواباً لقوله : { فنسوا حظاً مما ذكروا به } لان الفاء تدل على الجواب . واذا كانت جواباً ، وجب أن يكون ( تعالى ) إنما أغرى بينهم ، لاجل نسيانهم للحظ الذي ذكروا به ، وانه عاقبهم بهذا الاغراء ، وليس في الامر والنهي والعبادات عقوبات - بلا خلاف - فدل جوابه بالفاء في قوله : { فأغرينا } عقيب قوله : { فنسوا حظاً } على أنه عاقب بالاغراء لا على ما قلتموه ؟ قيل : قوله { فنسوا حظاً مما ذكروا به } جوابه وانه فعل هذا الاغراء ، لاجل نسيانهم . غير أنه ليس بعقوبة ، وان كان جواباً . فكا لاجل نسيانهم . غير أنه ليس بعقوبة ، وان كان جواباً . فكان الاغراء إنما وقع بينهم من أجل نسيانهم لحظهم من قبل أنهم نسوا ما ذكروا به من معرفة التوحيد ، والتدين به ، فصاروا إلى القول بالاتحاد والشرك والفرية عليه ( تعالى ) فلاجل ذلك أمر الله أضدادهم بمعاداتهم ، واغرائهم بهم . فان قيل : فان الله ( تعالى ) ذكر النصارى في هذه الآية بنسيان حظهم ثم أجاب بالفاء في قوله : { فأغرينا بينهم } وليس يصح على هذا أن يكون أغرى بينهم من اجل ما فعله النصارى من الكفر ، لانه إذا أمر اليهود بمعاداة النصارى ، لاجل نسيان النصارى وكفرهم فانما هذا عن امر الله اليهود بهم ، وليس باغراء بعضهم ببعض ، وقوله : { فأغرينا بينهم } يدل على ان الله بعث كل واحد من الفريقين على صاحبه ، وهذا يوجب خلاف قولكم ؟ ! قيل : الامر على ما قلتم من أن امر اليهود بمعاداة النصارى هو إغراء لهم بهم ، وليس باغراء بين النصارى ، لكنه تعالى قد ذكر اليهود فيما تقدم من هذه السورة ، وتكذيبهم ، وفريتهم على الله ، ثم ذكر النصارى ، فلما جمع بين الفريقين في الذكر في هذه السورة ، وان لم يجمعهم في هذه الآية ، جاز ان يذكر انه اغرى بينهم العداوة بان امر كل واحد منهما بمعاداة عدوه فيما عصى فيه . وصح الاغراء بينهم والقاء العداوة والتباعد والمنافرة ، وصح أن يجعل ذلك جواباً . وقد قال البلخي جواباً آخر : وهو ان يكون الاغراء بين النصارى خاصة بعضهم لبعض على ظاهر الآية ، وهو أن الله تعالى نصب الادلة على ابطال قول كل فرقة من فرق النصارى ، فاذا عرفت طائفة منها فساد مذهب الأخرى فيما نصب الله لها من الادلة ، وان جهلت فساد مقالة نفسها لتفريطها في ذلك ، وسوء اختيارها ، فجاز على هذا أن يضاف الاغراء في ذلك إلى الله من حيث انه امر كل فرقة منها بمعاداة الاخرى على ما تعتقده ، وان أمرها ايضاً بأن تترك ما هي متمسكة به لفساده وهذا واضح بحمد الله ، فان قيل : أيجوز على هذا ان يقال ان الله اغرى بين المؤمنين والكفار العداوة ؟ قلنا : اما اغراء المؤمن بالكفر فصحيح ، واما اغراء الكافر بالمؤمن ، فليس بصحيح ، لان ما عليه المؤمنون حق ، وما عليه الكفار ، باطل . وإنما يقال : إن الله اغرى بين قوم وقوم إذا كان على بطلان قول كل طائفة منهما دليل يدل على فساد قول من يخالفها فعلى هذا لا يصح إطلاق القول بما قالوه ، ومتى قيد القول على ما بيناه ، جاز ، وأن لم يخبر مع الاطلاق . وقوله : { وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون } لما قال ( تعالى ) لنبيه : { فاعف عنهم واصفح } بين انه من وراء الانتقام منهم ، وانه سيجازيهم عند ورودهم عليه ، بما كانوا يصنعون في الدنيا من نقض الميثاق ، ونكث العهد ويعاقبهم على ذلك بحسب استحقاقهم .