Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 31-37)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما سمع إبراهيم عليه السلام بشرى الملائكة له بالغلام العليم ، وعلم أنهم ليسوا ببشر ولا أضياف { قال } لهم { فما خطبكم أيها المرسلون } أي ما شأنكم . والخطب هو الأمر الجليل ، فكأنه قال قد بعثتم لأمر جليل ، فما هو ؟ ومنه الخطبة ، لانها كلام بليغ لعقد أمر جليل تستفتح بالتحميد والتمجيد . والخطاب أجل من الابلاغ . وقوله { أيها } لا يثنى ولا يجمع لانه مبهم يقتضي البيان عنه ما بعده من غير أن يلزم ما قبله ، كما يلزم ( الذي وهذا ) كقولك مررت بالرجلين هذين ، فتبعه فى تثنيته ، كما تبعه فى اعرابه . فاجابته الملائكة فقالوا : { إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين } عاصين لله كافرين لنعمه أستحقوا العقاب والهلاك { لنرسل عليهم حجارة من طين مسمومة عند ربك للمسرفين } فالمسرف المكثر من المعاصي ، وهو صفة ذم ، لأنه خروج عن الحق . ونقيض الاسراف الاقتار ، وهو التقصير عن بلوغ الحق . وليس فى الاكثار من طاعة الله سرف ، ولا في نعمه اقتار ، لأنه سائغ على مقتضى الحكمة ، وإرسال الرسول إطلاقه بالأمر إلى المصير إلى من أرسل اليه ، فالملائكة أمروا بالمصير إلى قوم لوط لاهلاكهم وإرسال الحجارة إطلاقها . وليست برسل ولكن مرسلة . والمسومة المعلمة بعلامات ظاهرة للحاسة ، لان التسويم كالسيماء في انه يرجع إلى العلامة الظاهرة من قولهم : عليه سيماء الخير . ومنه قوله { يمددكم ربكم بخمسة الآف من الملائكة مسومين } والمجرم القاطع للواجب بالباطل ، فهؤلاء أجرموا بقطع الايمان بالكفر . وأصل الصفة القطع . وقال ابن عباس : التسويم نقطة فى الحجر الأسود بيضاء ، او نقطة سوداء فى الحجر الابيض . وقيل : كان عليها أمثال الخواتيم وقوله { حجارة من طين } أي أصلها الطين لا حجارة البرد التي أصلها الماء . والمسومة هي المعلمة بعلامة يعرفها بها الملائكة أنها مما ينبغي أن يرمى بها الكفرة عند أمر الله بذلك . وقيل : حجارة من طين كأنها آجر - فى قول ابن عباس - وقال الحسن : مسومة بأنها من حجارة العذاب . وقيل : مسومة بأن جعل على كل حجر اسم من يهلك به . وقوله { فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين } أي اخرجنا من كان فى قرية لوط من المؤمنين ، نحو لوط وأهله وخلصناهم من العذاب والاهلاك . وقوله { فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } يدل على ان الاسلام هو الايمان والايمان هو التصديق بجميع ما اوجب الله التصديق به . والاسلام هو الاستسلام لوجوب عمل الفرض الذي اوجبه الله والزمه . والمسلم هو المخلص لعمل الفرض على ما أمر الله به ، لان صفة ( مسلم ) كصفة مؤمن فى انها مدح . والبيت الذي وجده فى تلك القرية من المؤمنين هم أتباع لوط ووجدان الضالة هو إدراكها بعد طلبها ، ووجدت الموجدة إدراك ما يوجب العتاب والائمة فى القلب ، ووجدت المال أجده أدركت ملكاً لي كثيراً ، ووجدت زيداً الصالح بمعنى علمته ، ووجدت الضالة وجداناً . والبيت هو البناء المهيأ للايواء اليه والمبيت فيه . وقوله { وتركنا فيها آية } فالترك فى الاصل ضد الفعل ينافي الاخذ فى محل القدرة عليه ، والقدرة عليه قدرة على الأخذ . والمعنى فى الآية أبقينا فيها آية ، ومثله قوله { وتركهم في ظلمات } بمعنى لم ينفها مع انه قادر على نفيها ، وفلان ترك السوق أي قطعها بأن صار لا يمضي اليها . ومعنى { تركنا فيها آية } بمنزلة ما فعل ضد ما تنافيه الآية . وقيل : إن الآية اقتلاع البلدان لا يقدر عليه إلا الله تعالى وقوله { للذين يخافون العذاب الأليم } إنما خص الخائفين من العذاب الأليم بالآية لأنهم الذين يعتبرون بها وينتفعون بها .