Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 52, Ayat: 31-40)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما حكى الله تعالى عن الكفار أنهم قالوا فى النبي صلى الله عليه وآله أنه كاهن ومجنون ، وانه شاعر نتربص به ريب المنون أي نتوقع فيه حوادث الدهر والهلاك ، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله { قل } لهم يا محمد { تربصوا فإني معكم من المتربصين } فالتربص هو الانتظار بالشيء إنقلاب حال إلى خلافها . والمعنى إنكم إن تربصتم بي حوادث الدهر والهلاك ، فاني معكم من المنتظرين لمثل ذلك ، فتربص الكفار بالنبي صلى الله عليه وآله والمؤمنين قبيح ، وتربص النبي والمؤمنين بالكفار وتوقعهم لهلاكهم حسن ، وقوله { فتربصوا } وإن كان بصيغة الأمر فالمراد به التهديد . وقوله { أم تأمرهم أحلامهم بهذا } على طريق الانكار عليهم ان هذا الذي يقولونه ويتربصون بك من الهلاك . أحلامهم أي عقولهم تأمرهم به ، وتدعوهم اليه والاحلام جمع الحلم ، وهو الامهال الذي يدعو إليه العقل والحكمة ، فالله تعالى حليم كريم ، لانه يمهل العصاة بما تدعو اليه الحكمة ، ويقال : هذه أحلام قريش أي عقولهم . ثم قال تعالى ليس الأمر على ذلك { بل هم قوم طاغون } والطاغي هو الطالب للارتفاع بالظلم لمن كان من العباد ، ومنه قوله { إنا لما طغا الماء } لانه طلب الارتفاع كطلب الظالم للعباد فى الشدة ، فحسن على جهة الاستعارة . وقوله { أم يقولون تقوله } معناه بل يقولون أفتراه واخترعه وافتعله ، لان التقول لا يكون إلا كذباً ، لانه دخله معنى تكلف القول من غير حقيقة معنى يرجع اليه ، وكذلك كل من تكلف أمراً من غير اقتضاء العقل أن له فعله فهو باطل . ثم قال { بل } هؤلاء الكفار { لا يصدقون } بنبوتك ولا بأن القرآن انزل من عند الله . والآية ينبغي ان تكون خاصة فيمن علم الله انه لا يؤمن . ثم قال على وجه التحدي لهم { فليأتوا بحديث مثله } يعني مثل القرآن وما يقاربه { إن كانوا صادقين } فى انه شاعر وكاهن ومجنون وتقوله ، لانه لا يتعذر عليهم مثله . وقيل المثل الذي وقع التحدي به هو ما كان مثله فى أعلا طبقة البلاغة من الكلام الذي ليس بشعر . واعلا طبقات البلاغة كلام قد جمع خمسة أوجه : تعديل الحروف فى المخارج ، وتعديل الحروف فى التجانس وتشاكل المقاطع مما تقتضيه المعاني وتهذيب البيان بالايجاز فى موضعه والاطناب فى موضعه ، والاستعارة فى موضعها والحقيقة في موضعها . واجراء جميع ذلك فى الحكم العقلية بالترغيب فى ما ينبغي ان يرغب فيه . والترهيب مما ينبغي ان يرهب منه ، والحجة التي يميز بها الحق من الباطل . والموعظة التي تليق للعمل بالحق . وقوله { أم خلقوا من غير شيء } معناه أخلقوا من غير خالق { أم هم الخالقون } لنفوسهم فلا يأتمرون لامر الله ولا ينتهون عما نهاهم عنه . وقيل : معنى { أخلقوا من غير شيء } أخلقوا لغير شيء أي أخلقوا باطلا لا لغرض . وقيل : المعنى أخلقوا من غير أب ولا أم فلا يهلكون ، كما أن السموات والارض خلقتا من غير شيء ، فاذا هم أضعف من السماء الذي خلق لا من شيء ، فاذا كان ما خلق لا من شيء يهلك فما كان دونه بذلك أولى . وقوله { أم خلقوا السماوات والأرض } واخترعوها فلذلك لا يقرون بالله أنه خالقهم . ثم قال تعالى { بل لا يوقنون } بان لهم إلهاً يستحق العبادة وحده ولا يقرون بانك نبي من جهة الله . وقوله { أم عندهم خزائن ربك } معناه اعندهم خزائن نعمة ربك وخزائن الله مقدوراته ، لأنه يقدر من كل جنس على ما لا نهاية له فشبه ذلك بالخزائن التي تجمع اشياء مختلفة . والمعنى كأنه قال : أعندهم خزائن رحمة ربك فقد أمنوا أن تجيء الأمور على خلاف ما يحبون { أم هم المسيطرون } على الناس فليس عليهم مسيطر ولا لهم ملزم ومقوم ، فالمسيطر الملزم غيره امراً من الامور قهراً ، وهو مأخوذ من السطر يقال : سيطر يسيطر سيطرة ، وهو ( فيعل ) من السيطرة ، ونظيره بيطر بيطرة . وقيل : المسيطر الملك القاهر . وقيل : هو الجبار المتسلط ، ومنه قوله { لست عليهم بمصيطر } يقولون : سيطر علي أي اتخذني خولا ، وقال ابو عبيدة : المسيطرون الارباب ، والمسيطر والمبيقر والمبيطر والمهيمن والكميت اسماء جاءت مصغرة لا نظير لها . وقرأ قتادة { بمسيطر } بفتح الطاء ، بمعنى لست عليهم بمسلط . وقرأ ابن كثير وابو عمرو وابن عامر والكسائي { المسيطرون } بالسين . الباقون بالصاد إلا ان حمزة يشم الصاد زاياً . وقوله { أم لهم سلم يستمعون فيه } فالسلم مرتقى إلى العلو من مشيد الدرجة مرتقى إلى علو من بناء مصمت . ويقال : جعلت فلاناً سلما لحاجتي أي سبباً . وقال ابن مقبل : @ لا يحرز المروء احجاء البلاد ولا تبنى له فى السموات السلاليم @@ فكأنه قيل أم يستمعون الوحي من السماء ، فقد وثقوا بما هو عليه وردوا ما سواه { فليأت مستمعهم بسلطان مبين } أي بحجه يظهر صحة قولهم . والاستماع الاصغاء إلى الصوت ، وإنما قيل لهم ذلك ، لان كل من ادعى ما لم يعلم ببداهة العقول فعليه إقامة الحجة . وقوله { أله البنات ولكم البنون } معناه ألكم البنون ولله البنات ، فصاحب البنين أعلى كلمة من صاحب البنات ، وهذا غاية التجهيل لهم والفضيحة عليهم . وقيل : لو جاز اتخاذ الأولاد عليه لم يكن يختار على البنين البنات فدل بذلك على افراط جهلهم في ما وصفوا الله تعالى به من اتخاذ الملائكة بنات . وقوله { أم تسألهم أجراً } أي ثواباً على اداء الرسالة اليهم بدعائك إياهم إلى الله { فهم من مغرم مثقلون } فالمغرم إلزام الغرم - فى المال - على طريق الابذال ، والمغرم انفاق المال من غير إبذال . واصله المطالبة بالحاح فمنه الغريم ، لانه يطالب بالدين بالحاح ، ومنه { إن عذابها كان غراماً } أي ملحاً دائماً . والمغرم لانه يلزم من جهة المطالبة بالحاح لا يمكن دفعه . والمثقل المحمول عليه ما يشق حمله لثقله .