Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 54, Ayat: 11-16)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابن عامر { ففتحنا } بالتشديد أي مرة بعد مرة وشيئاً بعد شيء ، لانه كثر ودام لما فار التنور وانهمرت الارض والسماء بالماء . الباقون بالتخفيف لانه يأتي على القليل والكثير ، وفي الكلام حذف ، وتقديره ان نوحا عليه السلام لما دعا ربه فقال إني مغلوب فانتصر يا رب وأهلكهم فأجاب الله دعاءه وفتح أبواب السماء بالماء ، ومعناه أجرى الماء من السماء ، فجريانه إنما فتح عنه باب كان مانعاً له ، وذلك من صنع الله الذي لا يقدر عليه سواه . وجاء ذلك على طريق البلاغة . والماء المنهمر هو المنصب الكثير قال امرؤ القيس : @ راح تمر به الصبا ثم انتحى فيه شؤبوب جنوب منهمر @@ أي منصب مندفق ، انهمر ينهمر إنهماراً ، وفلان ينهمر في كلامه ، كأنه يتدفق فيه مع كثرته . وقوله { وفجرنا الأرض عيوناً } فالتفجير تشقيق الارض عن الماء ، ومنه انفجر العرق وأنفجر السكر ، ومنه قوله { وفجرنا خلالهما نهراً } وعيون الماء واحدها عين ، وهو ماء يفور من الأرض مستدير كاستدارة عين الحيوان ، والعين مشتركة بين عين الحيوان وعين الماء وعين الميزان وعين الذهب وعين السحابة وعين الركبة { فالتقى الماء على أمر قد قدر } معناه إن المياه كانت تجري من السماء ومن الأرض على ما أمر الله به وأراده وقدره . وإنما قال { فالتقى الماء } والمراد به ماء السماء وماء الارض ، ولم يثن ، لأنه اسم جنس يقع على القليل والكثير { على أمر قد قدر } فيه هلاك القوم فى اللوح المحفوظ . وقيل : معناه إنه كان قدر ماء السماء مثل ما قدر ماء الارض . ثم قال تعالى { وحملناه } يعني نوحاً { على ذات ألواح ودسر } يعني السفينة ذات ألواح مركبة بعضها إلى بعض ، والدسر هي المسامير التي تشد بها السفينة - في قول ابن عباس وقتادة وابن زيد - واحدها دسار ودسير ، ودسرت السفينة ادسرها دسيراً إذا شددتها بالمسامير او نحوها . وقيل : الدسر صدر السفينة تدسر به الماء أي تدفع - عن الحسن - وقال مجاهد : الدسر أضلاع السفينة . وقال الضحاك : الدسر طرفاها وأصلها . وقال الزجاج : الدسر المسامير والشرط التي تشد بها الألواح . وقوله { تجري بأعيننا } معناه تجري السفينة بمرأى منا ، ونحن ندركها . وقيل : أعين الماء التي أنبعناها . وقيل : تجري بأعين أوليائنا والموكلين بها من الملائكة . وقوله { جزاء لمن كان كفر } أي كفر به وهو نوح أي لكفرهم به ، كأنه قال غرقناهم لاجل كفرهم بنوح . وقيل : جزاء لنوح واصحابه أي نجيناه ومن آمن معه لما صنع به ، وكفر فيه بالله . وقوله { ولقد تركناها آية } يعني السفينة تركناها دلالة باهرة { فهل من مدكر } بها ومتعظ بسببها فيعلم أن الذي قدر على ذلك لا يكون من قبيل الاجسام وانه لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء . وقال قتادة : أبقى الله تعالى سفينة نوح حتى ادركها أوائل هذه الأمة ، فكان ذلك آية ( ومدكر ) أصله متذكر ، فقلبت التاء دالا لتواخي الدال بالجهر . ثم أدغمت الذال فيها . وقيل : وجه كونها آية انها كانت تجري بين ماء الارض وماء السماء ، وكان قد غطاها على ماء أمره الله تعالى به . وقوله { فهل من مدكر } قد بينا معناه . وقال قتادة : معناه فهل من طالب علم فيعان عليه . وقوله { فكيف كان عذابي ونذر } تهديد للكفار وتنبيه لهم على عظم ما فعله بأمثالهم من الكفار الجاحدين لتوحيده . وإنما كرر { فكيف كان عذابي ونذر } لأنه لما ذكر أنواع الانذار والعذاب انعقد التذكير لشيء شيء منه على التفصيل ، والنذر جمع نذير - في قول الحسن - قال : وتكذيب بعضهم تكذيب لجميعهم . وقال الفراء : هو مصدر ، ومنه { عذراً أو نذراً } مخففة ومثقلة و { إلى شيء نكر } ويقال : أنذره نذراً بمعنى إنذاراً مثل أنزله نزلا بمعنى إنزالا .