Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 54, Ayat: 22-30)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ " ستعلمون " بالتاء اهل الشام وحمزة ، على الخطاب ، الباقون بالياء على الغيبة ، اللام فى قوله { ولقد } جواب القسم فالله تعالى أقسم بأنه يسر القرآن للذكر ، وقد بينا معناه . وقيل : الوجوه التي يسر الله بها القرآن هو أنه ابان عن الحكم الذي يعمل عليه ، والمواعظ التي يرتدع بها ، والمعاني التي يحتاج إلى التنبيه عليها والحجج التي تميز بها الحق من الباطل . وإنما أعيد ذكر التيسير لينبىء عن انه يسر بهذا الوجه من الوجوه كما يسر بالوجه الأول . وقد يسر بحسن التأليف للحفظ كما يسر بحسن البيان عما يخاف للوعظ . وقال الزجاج : إن كتب الأنبياء كانوا يقرؤنها نظراً ولم يحفظونها ، والقرآن سهل الله تعالى عليهم حفظه فيحفظه الخلق الكثير ، والتيسير التمكين التام لأنه قد يمكن العمل بمشقه وبغير شقة ، فالذي تنتفى عنه المشقة للتمكين التام هو المسهل . وفائدة الآية تبيين ما ينبغي أن يطلب العلم من جهته . وإنما كرر لأنه حث على ذلك بعد حث ، وأنه ميسر بضروب التيسير . وقوله { كذبت ثمود بالنذر } إخبار من الله تعالى أن ثمود ، وهم قوم صالح كذبت بالانذار . ومن قال : النذر جمع نذير قال لأن تكذيب واحد من الرسل فى إخلاص توحيد الله كتكذيب جميعهم ، لانهم متفقون فى ذلك وإن اختلفت شرائعهم . وفائدة الآية التحذير من مثل حالهم . ثم حكى ما قالته ثمود فانهم { قالوا أبشراً منا واحداً نتبعه } والمعنى أنتبع بشراً منا واحداً انتبعه ؟ ! ودخلت عليهم الشبهة ، فظنوا أن الانبياء ينبغي أن يكونوا جماعة ، لان الاشياء ذووا نظائر تجري على حكم واحد ، وتركوا النظر في أنه يجوز ان يصلح واحد من الخلق لتحمل النبوة وإن لم يصلح له غيره ، فصار بمنزلة مدع لا دليل معه على صحة دعواه عندهم . وفائدة الآية تبيان شبهتهم الخسيسة الضعيفة وانهم حملوا أنفسهم على تكذيب الرسل لاجلها . وجوابهم أن يقال لهم : لأنه لا يصلح له سواه من جهة معرفته بربه وقيامه باداء رسالته وسلامة ظاهره وباطنه . وقوله { إنا إذاً لفي ضلال } معناه إن اتبعناه مع انه واحد منا إنا إذا لفي ضلال عن الصواب { وسعر } أي وعناء - فى قول قتادة - والسعر جمع سعير كأنهم فى ضلال وعذاب كعذاب السعير . وقال قوم : معناه وسعر جنون . واصله التهاب الشيء وهو شدة انتشاره ، يقال : ناقة مسعورة إذا كان لها جنون . وقال الزجاج : يجوز أن يكون المراد وعذاب ، ويجوز جنون . وقوله { أألقي الذكر عليه من بيننا } استفهام من قوم صالح على وجه الانكار والجحود والتعجب ، ومعنى { أألقي الذكر } يعني الوحي { من بيننا } لما رأوا أستواء حال الناس فى الظاهر لم يكن بعضهم أحق عندهم بانزال الوحي عليه من بعض . وقد وصفوا أنفسهم أن حاله مساوية لأحوالهم فجاء من هذا ألا يكون أحق بالوحي الذي ينزل عليه منهم ، واغفلوا أن الله اعلم بمصالح عباده ومن يصلح للقيام برسالته ممن لا يصلح . ثم حكى ما قالوه فى صالح ، فانهم قالوا { بل هو كذاب } فى دعواه أنه نبي أوحى الله اليه { أشر } أي بطر ، فالأشر البطر الذي لا يبالي ما قال . وقيل : هو المرح الطالب للفخر وعظم الشأن ، يقال : أشر يأشر أشراً كقولك : بطر يبطر بطراً وأشر واشر مثل حذر وحذر ، وعجل وعجل وفطن وفطن ونحس ونحس . فقال : الله تعالى على وجه التهديد لهم { ستعلمون غداً من الكذاب الأشر } وقرأ ابو قلابة { الكذاب الأشرّ } وهذا ضعيف ، لأنهم يقولون : هذا خير من ذا وشر من ذا ، ولا يقال : أشرّ ، ولا أخير إلا فى لغة ردية . ومن قرأ { ستعلمون } بالتاء على وجه الخطاب اليهم أي قل لهم ، وهي قراءة ابن عامر وحمزة وحفص عن عاصم . ومن قرأ بالياء فعلى وجه الاخبار عن الغائب وهي قراءة الباقين ، لأن الكذاب الأشر يوم القيامة يعاقبه الله بعذاب النار ، فيعلم حينئذ أي الفريقين هم . وقرب الله تعالى القيامة كقرب غد من اليوم . والفرق بين قوله { ستعلمون غداً من الكذاب } وبين قوله لو قال { ستعلمون غداً الكذاب الأشر } أن الأول يفيد فريقين التبس الكذب بكل واحد منهما فيأتي العلم مزيلا لذلك الالتباس وليس كذلك الثاني . ثم بين تعالى أنه ارسل الناقة وبعثها بأن أنشأها معجز لصالح ، لانه أخرجها من الجبل الأصم يتبعها ولدها . وقوله { فتنة لهم } نصب { فتنة } على انه مفعول له . ومعنى ذلك إبتلاء لهم ومحنة ، لأنه تعالى نهاهم ان ينالوها بسوء مع تضيق الشرب عليهم بأن لها شرب يوم ولهم شرب يوم آخر . والشرب - بكسر الشين - الحظ من الماء - وبضم الشين - فعل الشارب . ثم حكى تعالى ما قال لصالح فانه تعالى قال له { واصطبر } أي أصبر على أذاهم { ونبئهم } أي اخبرهم { أن الماء قسمة بينهم } يوم للناقة ويوم لهم { كل شرب محتضر } أي كل قسم يحضره من هو له . وقيل المعنى نبئهم أيّ يوم لهم وأيّ يوم لها إلا أنه غلب من يعقل ، فقال نبئهم . وقيل : كانوا يحضرون الماء إذا غابت الناقة ويشربونه وإذا حضرت أحضروا اللبن وتركوا الماء لها - ذكره مجاهد - وقيل : كانت الناقة تحضر شربها وتغيب وقت شربهم . وكل فريق يحضر وقت شربه . وقوله { فنادوا صاحبهم } يعني الذي وافقوه على عقر الناقة ، وهو أحمر ثمود ، والعرب تغلط فتقول : أحمر عاد . ويريدون بذلك ضرب المثل في الشؤم ، وإنما هو أحمر ثمود - ذكره الزجاج - وقال قوم : اسمه قدار بن سالف . وقوله { فتعاطى فعقر } قال ابن عباس تعاطى تناول الناقة بيده فعقرها ، وقال معناه تعاطى عقرها فعقرها فأهلكهم الله تعالى عقوبة على ذلك { فيكف كان عذابي ونذر } .