Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 54, Ayat: 31-40)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما اخبر الله تعالى عن قوم صالح أنهم عقروا الناقة وأنه تعالى أهلكهم بين كيف أهلكهم فقال { إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة } وهي المرة من الصوت بشدة عظيمة هلكوا كلهم بها ، يقال : صاح يصيح صياحاً وصايحة ومصايحة وصيح به تصييحا وإنها صيحة تخلع القلوب وتهدم الأبدان لعظمها وقوله { فكانوا كهشيم المحتظر } أي صاروا كالهشيم ، وهو المنقطع بالتكسير والترضيض ، هشم أنفه يهشمه إذا كسره ومنه الهاشمة وهي شجة مخصوصة . والهشم - ها هنا - يبس الشجر المتفتت الذي يجمعه صاحب الحظيرة و { المحتظر } المبتني حظيرة على بستانه أو غيره ، تقول احتظر احتظاراً ، وهو من الحظر ، وهو المنع من الفعل بحايط أو غيره ، وقد يكون الحظر بالنهي . وقرأ بفتح الظاء وهو المكان الذي يحتظر فيه الهشيم . وقيل : هشيم المحتظر قال الضحاك : هو الحظيرة تتخذ للغنم يبس فتصير رميماً . وقيل : الهشيم حشيش يابس متفتت يجمعه المحتظر لمواشيه . وقيل : الهشيم اليبس من الشجر أجمع الذي يفتت . وقوله { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } قد فسرناه وقال قتادة : فهل من طالب علم يتعلم ؟ وفيها دلالة على بطلان قول المجبرة ، لانه ذكر انه يسر القرآن ليتذكر العباد به ، ولو كان الأمر على ما يقولون لكان ليتذكر القليل منهم دون سائرهم . وقوله { كذبت قوم لوط بالنذر } اخبار منه تعالى أن قوم لوط كذبوا الرسل بالانذار على ما فسرناه . وفائدة ذكر التحذير على ما بيناه من فعل مثله لئلا ينزل بهم مثل ما نزل باولئك ، وفي الكلام حذف وتقديره فأهلكناهم . ثم بين كيف أهلكهم فقال { إنا أرسلنا عليهم حاصباً } والحاصب الحجارة التي يرمى بها القوم ، حصبوا بها إذا رموا ، ومنه الحصباء الارض ذات الحصى ، لانه يحصب بها وقيل : الحاصب سحاب رماهم بالحجارة وحصبهم بها قال الفرزدق : @ مستقبلين رياح الشام تضربنا بحاصب كنديف القطن منثور @@ ثم استثنى آل لوط ، وتقديره إنا أرسلنا عليهم حاصباً أهلكناهم به { إلا آل لوط } فانا { نجيناهم } وخلصناهم من العذاب { بسحر } أي بليل لا سحراً بعينه ، لان سحراً إذا اردت به سحر يومك لم تصرفه ، وإذا أردت به سحراً من الاسحار صرفته . وقوله { نعمة من عندنا } قال الزجاج نصبه على انه مفعول له ، ويجوز ان يكون على المصدر ، وتقديره أنعمنا بها عليهم نعمة . ثم قال { كذلك نجزي من شكر } أي مثل ما فعلنا بهم نفعل بمن يشكر الله على نعمه ، والشكر هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم للمنعم ، ونقيضه كفر النعمة ، ومثله الحمد على النعمة . ثم اخبر تعالى عن لوط بأنه أنذر قومه بطشة الله وهي الأخذ بالعذاب بشدة فكذلك أخذ الله - عز وجل - آل لوط باشد العذاب بالائفاك ورمي الاحجار من السماء . وقوله { فتماروا بالنذر } أي تدافعوا على وجه الجدال بالباطل ، يقال : تمارى القوم تمارياً وماراه مماراة ومراء ، ومراه يمريه مرياً إذا أستخرج ما عنده من العلم بالمري . وقوله { ولقد راودوه عن ضيفه } إخبار منه تعالى بأن قوم لوط حاولوا ضيفه وراودوهم على الفساد ، فالمراودة المحاولة ، فكأن قوم لوط طالبوه بأن يخلي بينهم وبين ضيفه لما يرونه من الفاحشة . والضيف المنضم إلى غيره على طلب القرى ، إذ كانوا أنوا لوطاً على هذه الصفة إلى ان تبين أمرهم وانهم ملائكة الله أرسلهم لاهلاكهم وقوله { فطمسنا أعينهم } فالطمس محو الاثر بما يبطل معه إدراكه ، طمس يطمس طمساً وطمس الكتاب تطميساً وطمست الريح الاثار إذا دفنتها بما تسفي عليها من التراب ، قال كعب بن زهير : @ من كل نضاخة الذفرى إذا عرفت عرضتها طامس الاعلام مجهول @@ وقال الحسن وقتادة : عميت أبصارهم . وقال الضحاك : إنهم دخلوا البيت على لوط ، فلما لم يروهم سألوا عنهم وإنصرفوا . وقوله { فذوقوا عذابي ونذر } معناه قالت لهم الملائكة ذوقوا عذاب الله ونذره أي وما خوفكم به من عذابه . ثم قال تعالى { ولقد صبحهم } يعني قوم لوط { بكرة } نصبه على الظرف فاذا أردت بكرة يومك لم تصرفه . وإذا أردت بكرة من البكرات صرفته . ومثله غدوة وغدواة . وقوله { عذاب مستقر } أي استقر بهم حتى هلكوا جميعاً . وقوله { فذوقوا عذابي ونذر } قيل : قالت لهم الملائكة ذلك . وقال قوم : القائل هو الله تعالى قال لهم فى تلك الحال يعني عند طمس أعينهم . والائتفاك بهم ورميهم بالحجارة { ذوقوا عذابي ونذر . ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } وقد فسرناه وبينا الوجه فيه .