Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 69, Ayat: 11-18)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ { لا يخفى } بالياء أهل الكوفة ، لان تأنيث { خافية } ليس بحقيقي . وقد فصل بينها وبين الفعل فاصل . الباقون بالتاء على لفظ التأنيث . والتقدير لا يخفى عليه شيء منكم نفس خافية . يقول الله تعالى مخبراً عما فعل بقوم نوح وفرعون وقومه على وجه الامتنان على خلقه بما فعل بهم من الهلاك الذي فيه زجر لغيرهم عن الكفر وإرتكاب المعاصي { إنا لما طغى الماء } ومعناه لما تجاوز الماء الحد المعروف فى العظم حتى غرقت الأرض بمن عليها إلا من شاء الله نجاته ، وذلك فى زمن نوح عليه السلام وغرق فرعون وقومه بانطباق البحر عليهم ، وقال ابن عباس ومجاهد : معنى طغى الماء كثر ، وغرّق الله - عز وجل - قوم نوح . وقال قتادة : ارتفع على كل شيء خمس عشرة ذراعاً . وقوله { حملناكم في الجارية } أي حملنا أباكم نوحاً ومن كان معه من ولده المؤمنين فى السفينة ، فالجارية السفينة التي من شأنها أن تجري على الماء ، ومنه قوله { وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام } والجارية المرأة الشابة تسمى بذلك ، لانها يجري فيها ماء الشباب . والحمل امساك الشيء بالوضع على غيره ، تقول حملته حملا ، والحمل - بفتح الحاء - ما كان في البطن او الشجر - وبكسر الحاء - ما كان على الظهر . ووجه التذكرة بذلك أن نجاة من فيها وتغريق من سواهم يقتضي أنه من مدبر مختار وفي امر لم تجربه عادة ، فيلتبس انه من فعل الطبيعة . ثم بين تعالى الغرض بما فعله فقال { لنجعلها } يعني السفينة { لكم تذكرة } تتذكرون بها أنعم الله وتشكرونه عليها وتتفكرون فيها { وتعيها أذن واعية } أي وتحفظها اذن حافظة ، يقال : وعيت العلم ، وأوعيت المتاع في الوعاء ، ويقال : وعي قلبه العلم يعيه وعياً ، وقال الشاعر : @ إذا لم تكن واعياً حافظاً فجمعك للكتب لا ينفع @@ فمعنى { واعية } ممسكة ما يحصل فيها . وقال ابن عباس : حافظة . وقيل قابلة سامعة . وقيل : إنه لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وآله " اللهم اجعلها اذن علي عليه السلام " ورواه الطبري باسناده عن مكحول . ثم قال علي عليه السلام ( فما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله شيئاً فنسيته ) وروى الحلواني عن ابن كثير { وتعيها } بسكون العين جعله مثل فخذ وفخذ . الباقون بكسرها ، لأنه مضارع وعى يعي . واصله يوعي فحذفت الواو لوقوعها بين فتحة وكسرة ، ومعنى الآية تحفظها كل أذن ليكون عظة لمن يأتي بعدهم . روى الطبري باسناده عن عكرمة عن بريدة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي عليه السلام " يا علي إنَّ الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك " وقوله { فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة } فهي النفخة الأولى التي يصعق لها من في السموات ومن في الأرض { وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة } قال : ابن زيد : ضرب بعضها على بعض حتى صارتا غباراً . وقيل : معناه بسطتا بسطة واحدة ، ومنه الدكان ، ويقال : اندك سنام البعير إذا انفرش في ظهره . وقيل : المعنى حملت الارض والجبال فصك بعضها على بعض حتى تندك ، وإنما قيل : فدكتا لأنه جعل الجبال جملة والارض جملة . ومثله { أن السماوات والأرض كانتا رتقاً } لان السموات جملة واحدة . ثم قال { فيومئذ } أي يوم تدك السموات والارض وتنفخ النفخة الواحدة { وقعت الواقعة } يعني القيامة وسميت واقعة لشدة وقعتها بما ليس لغيرها مثل تلك الشدة . ثم قال { وانشقت السماء } أي انفرج بعضها عن بعض ، يقال : انشق الشيء ينشق انشقاقاً ، وتشقق تشققاً إذا تفطر واشتق منه كذا إشتقاقاً ، ومنه اشتقاق الصفة من المصدر ، لان معناه وحروفه فيها دون صورته ، فهي مأخوذة منه على هذا الوجه . وقوله { فهي يومئذ واهية } أي شديدة الضعف بانتقاض بنيتها ولا ينظر أهول من رؤية السماء في هذه الهيأة ، يقال : وهى الشيء يهي وهياً ، فهو واه أي لا يستمسك لضعفه بنقض بنيته . وقيل : هو تغير السماء بعد صلابتها بمنزلة الصوف في الوهي والضعف ، وقيل : السماء مكان الملائكة ، فاذا وهت صارت في نواحيها . وقوله { والملك على أرجائها } فالارجاء النواحي واحدها رجا ، مقصور وتثنى رجوان بالواو ، والرجا جانب البئر قال الشاعر : @ فلا ترمي بي الرجوان اني أقل القوم من يغني مكاني @@ وهو من رجوت ، لان الجانب يرجى فيه السلامة مع خوف السقوط ، والملائكة ذلك اليوم على جوانب السماء تنتظر ما تؤمر به في اهل النار من السوق اليها ، وفي اهل الجنة من التحية والتكرمة فيها . وقوله { ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية } يعني فوق الخلائق { يومئذ } يعني يوم القيامة { ثمانية } من الملائكة . وقيل : على أرجائها ، لأن الناس إذا رأوا جهنم بدروا هاربين فتردهم الملائكة - في قول الضحاك - وقال الحسن وقتادة وسفيان { على أرجائها } يعني نواحيها . وقال ابن عباس { يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية } صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله . وروي فى خبر مرفوع عن النبي صلى الله عليه وآله أنه يحمل العرش ثمانية أملاك ، وهو قول ابن زيد ، والمعنى في حمل العرش بثمانية أملاك . هو الاخبار بأنه عظيم محتاج أن يحمله من كل زاوية ملكان ، لا يفي به لعظمه أقل من ذلك ، وبهذا يتصور عظمه فى النفس . وقوله { يومئذ تعرضون } يعني يوم القيامة تعرضون معاشر المكلفين { لا يخفى منكم خافية } فروى فى خبر مرفوع - ذكره ابن مسعود وقتادة - ان الخلق يعرضون ثلاث عرضات اثنتان فيها معاذير وجدال ، والثالثة تطاير الصحف فى الايدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله ، وليس يعرض الله الخلق ليعلم من حالهم ما لم يعلمه بل هو عالم بجميع ما كان منهم ، لانه عالم لنفسه لكن ليظهر ذلك لخلقه .