Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 115-116)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا حكاية قول السحرة أنهم قالوا لموسى اختر أحد شيئين إِما أن تلقي أنت عصاك أو نحن نلقي عصيَّنا ، وانما دخلت ( أن ) في قوله { إِما أن تلقي } ولم تدخل في { إِما يعذبهم وإما يتوب عليهم } لأن فيه معنى الأمر كأنهم قالوا : اختر إِما أن تلقي أي إِما القاؤك وإِما القاؤنا ، ومثله { إِما أن تعذب وإِما أن تتخذ فيهم حسنا } فموضع ( ان ) نصب ، ويجوز أيضا ان يكون التقدير إِما إِلقاؤك مبدوء به وإِما القاؤنا ، ويجوز أن تقول : يا زيد اما أن تقوم أو تقعد ، ولا يجوز أن تقول يا زيد ان تقوم أو تقعد ، لأن ( إِما ) يبتدأ بالمعنى فيها أي بمعنى التخيير ، فلذلك تدل على معنى اختر ، وليس كذا ( أو ) وقد يقع موقع ( اما ) وليس بجيد ، كما قال الشاعر : @ فقلت لهن امشين إِما نلاقه كما قال او تشفى النفوس فنعذرا @@ وقال ذو الرمة : @ فكيف بنفس كلما قلت أشرفت على البرء من حوصاء هيض اندمالها تهاض بدار قد تقادم عهدها واما بأموات ألمَّ خيالها @@ على أن يلقي أحدنا فيبطل ما أتى به الآخر . وقوله { ألقوا } حكاية عن قول موسى ( ع ) للسحرة ( ألقوا ) أنتم { فلما ألقوا سحروا أعين الناس } قال البلخي : معناه غشُّوا أعين الناس ، وقال : السحر هو الخفة ، والافراط فيها حتى تخيل بها الاشياء عن الحقيقة والاحتيال بما يخفى على كثير من الناس كتغييرهم الطرجهالة والحيلة فيها ان يجعل ( الطرجهالة ) طاقين ويرقق بغاية الترقيق ، ويجعل بين الطبقتين زيبق ، فاذا وضعت في الشمس حمي الزيبق فسار بالطرجهالة ، لأن من طبع الزيبق اذا حمي ان يتحرك ويفارق مكانه . وقال قوم : معناه خيلوا الى أعين الناس بما فعلوه من لتخييل والخدع أنها تسعى ، كما قال تعالى { يخيل إِليه من سحرهم أنها تسعى } وقال الرماني : معنى سحر الاعين قلبها عن صحة إِدراكها بما يتخيل من الامور المموهة لها بلطف الحيلة التي تجري مجرى الخفة والشعبذة مما لا يرجع الى حقيقة ، والمحدث لهذا التخيل هو الله تعالى عندما أظهروا من تلك المخاريق وإِنما نسب اليهم لأنهم لو لم يعرضوا بما يعملونه لم يقع ، كما لو جعل أحد طفلاً تحت البرد ، فمات ، فهو القاتل له في الحكم ، والله تعالى أماته ، وإِنما جاز من موسى ( ع ) أن يأمرهم بالقاء السحر وهو كفر لأمرين : أحدهما - إِن كنتم محقين فالقوا . الثاني - القوا على ما يصح ويجوز ، لا على ما يفسد ويستحيل . وقال الجبائي : هذا على وجه الزجر لهم والتهديد ، وليس بأمر . وقوله { فلما ألقوا سحروا أعين الناس } والفرق بين ( لما ) و ( إِذا ) هو الفرق بين ( لو ) و ( أن ) فى ان أحدهما للماضي والآخر للمستقبل ، وكل هذه الأربعة تعليق أول بثان ، الا ان ( لو ) على طريقة الشك ، و ( لما ) يقين . وقوله { واسترهبوهم } معناه طلبوا منهم الرهبة ، وهو خلاف الارهاب ، لأنه جعل الرهبة للذي يرهب ، والعظيم ما يملأ الصدر بهوله ، ووصف السحر بأنه عظيم لبعد مرام الحيلة فيه ، وشدة التمويه به ، فهو لذلك عظيم الشأن عند من يراه من الناس ، ولأنه على ما ذكرناه من الخلاف في عدة السحرة من سبعين ألفاً أو ثمانين الفاً كان مع كل واحد حبل وعصا ، فلما ألقوها وخيل الى الناس أنها تسعى استعظموا ذلك وخافوه ، فلذلك وصفه الله بأنه سحر عظيم . و ( إِما ) اذا كانت للتخيير ، فأهل الحجاز ومن جاورهم من قيس وبعض تميم يكسرونها وينصبها قيس وأسد و ( أما ) اذا كانت منصوبة فهي التي يقتضي أن يكون في جوابها الفاء .