Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 119-122)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أخبر الله تعالى أنه لما القى موسى عصاه وصارت حية ، وتلقفت ما أفكت السحرة : أن السحرة { غُلِبوا هنالك وانقلبوا صاغرين } والغلبة الظفر بالبغية من العدو ، وفي حال المنازعة تقول : غلب يغلب غلبة ، فهو غالب وذاك مغلوب أي مقهور ، وغالبه مغالبة وتغالبا تغالباً وغلَّب تغليباً . ومعنى ( هنالك ) أي عند ذلك الجمع ، فهو ظرف مبهم كما أن ( ذا ) مبهم وفيه معنى الاشارة . وقيل : هنا وهنالك وهناك ، مثل ذا وذاك وذلك . وإِنما دخلت اللام في ( هنالك ) لتدل على بعد المكان المشار اليه ، كما دخلت في ( ذلك ) لبعد المشار اليه ، فـ ( هنا ) لما بعد قليلا ، وهنالك لما كان أشد بعداً . وإِنما دخل كاف المخاطبة مع بعد الاشارة ليشعر بتأكيد معنى الاشارة الى المخاطب ليتنبه على بعد المشار اليه من المكان ، والبعيد أحق بعلامة التنبيه من القريب . وقوله { وانقلبوا صاغرين } أي رجعوا أذلاء ، والصاغر الذليل ، والصغر والصغار الذلة ، يقال : صغر الرجل يصغر صغراً وصغاراً اذا ذل ، وأصله صغر القدر . وقوله تعالى { وألقى السحرة ساجدين } إِنما جاء على ما لم يسم فاعله لأمرين : أحدهما - أنه بمعنى ألقاهم ما رأوا من عظيم آيات الله بأن دعاهم الى السجود لله والخضوع له . الثاني - أنهم لم يتمالكْوا أن وقعوا ساجدين ، فكأنَّ ملقيا ألقاهم ، ولم يكن ذلك على وجه الاضطرار الى الايمان ، لأنه لو كان كذلك لما مدحوا عليه بل علموا ذلك بدليل ، وهو عجزهم من ذلك مع تأتي سائر أنواع السحر منهم . والالقاء اطلاق الشىء الى جهة السفل ونقيضه الامساك ، ومثله الاسقاط والطرح . ومعنى الآية البيان عن حال من تيقن البرهان ، فظهر منه الاذعان للحق والخضوع بالسجود لله تعالى ، ولم يكن ممن تعامى عن الصواب وتعاشى عن طريق الرشاد . وقوله تعالى { قالوا آمنا برب العالمين } حكاية لما قالت السحرة عند تبيُّنهم الحق ووقوعهم للسجود لله تعالى واعترافهم بأنهم آمنوا برب العالمين الذي خلق السموات والأرض وما بينهما وخلق موسى وهارون ، والقول كلام يدل على الحكاية ، ولو قيل : ( تكلموا ) لم يقتض حكاية كلامهم على صورته ، فاذا قيل : ( قالوا ) اقتضى حكاية كلامهم . والايمان هو التصديق الذي يؤمِّن من العقاب ، وهو التصديق بما أوجب الله عليهم . وقال الرماني : يجوز أن يقال لله أنه لم يزل ربَّاً ولا مربوب ، كما جاز لم يزل سميعاً ولا مسموع ، لأنه صفة غير جارية على الفعل كما تجري صفة مالك على ملك يملك ، فالمقدور هو المملوك . وأصل الصفة بـ ( رب ) التربية وهي تنشئة الشىء ، حالاً بعد حال حتى يصير الى حال التمام والكمال ، ومنه رب النعمة يربها ربَّاً إِذا تممها ، وربي الطفل تربية ، والله تعالى رب العالمين المالك لهم ولتدبيرهم . و ( العالم ) كل أمة من الحيوان وجمعة العالمون على تغليب ما يعقل ، وهو مأخوذ من العلم ، لكنه كثر في استعمال أهل النظر على أنه لجميع ما أحاط به الفلك من الأجسام المتصرفة في الأحوال ، وقال قوم ( عالم ) لا يقع إِلا لجماعة العقلاء . وقد بينا ذلك في فاتحة الكتاب . وقوله { رب موسى وهارون } إِنما خص موسى وهارون بالذكر بعد دخولهما في الجملة من { آمنا برب العالمين } لأمرين : أحدهما - أن فيه معنى الذي دعا الى الايمان موسى وهارون . الثاني - خصا بالذكر لشرف ذكرهما على غيرهما على طريق المدحة لهما والتعظيم . والرب بالاطلاق لا يطلق إِلا على الله تعالى ، لأنه يقتضي أنه رب كل شىء يصح ملكه ، وفي الناس يقال : رب الدار ورب الفرس ، ومثله ( خالق ) لا يطلق إِلا فيه تعالى ، وفى غيره يقيد ، يقال خالق الأديم . قال الرماني : وإِنما جاز نبيان في وقت ولم يجز إِمامان في وقت ، لأن الامام لما كان يقام بالاجتهاد كانت إِمامة الواحد أبعد من المناقشة واختلاف الكلمة وأقرب الى الإِلفة ورجوع التدبير الى رضا الجميع . وهذا الذي ذكره غير صحيح ، لأن العقل غير دال على أن الامام يجب أن يكون واحداً كما أنه غير دال على أنه يجب أن يكون النبي واحداً ، وإِنما علم بالشرع أنه لا يكون الامام في العصر الواحد إِلا واحداً كما علمنا أنه لم يكن في عصر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نبي آخر ، واستوى الأمران في هذا الباب .