Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 29-30)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

آيتان ، تمام الأولى في الكوفي { تعودون } وفي البصري تمام الأولى { مخلصين له الدين } وتمام الأخرى عند الجميع { مهتدون } . لما أخبر الله تعالى عن هؤلاء الكفار أنهم قالوا : إِن الله أمرنا بما نفعله ونعتقده من الفواحش ، وردَّ عليهم بقوله { إِن الله لا يأمر بالفحشاء } أمر نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول " إن الله يأمر بالقسط " وهو العدل - في قول مجاهد والسدي وأكثر المفسرين - وأصله العدول ، فاذا كان الى جهة الحق ، فهو عدل . ومنه قوله { إِن الله يحب المقسطين } وإِذا كان الى جهة الباطل ، فهو جور ، ومنه قوله { وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً } وأمرهم أن يقيموا وجوههم عند كل مسجد وقيل فيه وجوه : أحدها - قال مجاهد والسدي وابن زيد : معناه توجهوا الى قبلة كل مسجد في الصلاة على استقامة . الثاني - قال الربيع : توجهوا بالاخلاص لله ، لا للوثن ولا غيره . وقال الفراء : معناه اذا دخل عليك وقت الصلاة في مسجد فصل فيه ، ولا تقل آتى مسجد قومي ، وهو اختيار المغربي : وقوله { وادعوه مخلصين له الدين } أمرهم بالدعاء والتضرع اليه تعالى على وجه الاخلاص . وأصل الاخلاص إِخراج كل شائب من الخبث ، ومنه إِخلاص الدين لله ( عز وجل ) وهو توجيه العبادة اليه خالصاً دون غيره . وقوله { كما بدأكم تعودون } قيل في معناه قولان : أحدهما - قال ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد وابن زيد : كما خلقكم أولاً تعودون بعد الفناء ، وروي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال " يحشرون عراة حفاة عزلاً ، كما بدأنا أول خلق نعيده . وعداً علينا انا كنا فاعلين " . الثاني - قال ابن عباس وجابر في رواية أنهم يبعثون على ما ماتوا عليه : المؤمن على إِيمانه والكافر على كفره . وإِنما ذكر هذا القول ، لأحد أمرين : أحدهما - قال الزجاج : على وجه الحجاج عليهم ، لأنهم كانوا لا يقرُّون بالبعث . الثاني - على وجه الأمر بالاقرار به ، كأنه قيل وأقروا أنه كما بدأكم تعودون . والبدأ فعل الشىء أول مرة ، والعود فعله ثاني مرة . قد يكون فعل أول خصلة منه بدأ ، كبدء الصلاة ، وبدء القراءة ، بدأهم وأبداهم لغتان . وقوله { فريقا هدى } فالفريق جماعة انفصلت من جماعة ، وذكر ( فريق ) ها هنا أحسن من ذكر ( نفر وقوم أو نحوه ) لما فيه من الاشعار بالمباينة ونصب { فريقاً هدى } . وقوله { وفريقاً حق عليهم الضلالة } لتقابل فريقاً هدى بعطف فعل على فعل ، وتقديره وفريقا أضل إِلا انه فسره ما بعده نظير قوله { يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعدَّ لهم عذاباً أليماً } وقال الفراء : نصب فريقاً على الحال ، والعامل فيه ( تعودون ) فريقاً ، والثاني عطف عليه ، ولو رفع على تقدير أحدهما كذا ، والآخر كذا ، كان جائزاً كما قال { قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة } والهدي والاضلال في الآية يحتمل أربعة أوجه : أحدها - أنه حكم بأن هؤلاء مهتدون مدحاً لهم ، وحكم بأن اولئك ضالون ذماً لهم . الثاني - الدلالة التي انشرح بها صدور هؤلاء للاهتداء ، وضاقت بها صدور أولئك لشدة محبتهم لما هم عليه من مذهبهم . الثالث - هدى بأن لطف لهؤلاء بما اهتدوا عنده ، وصار كالسبب لضلال أولئك بتخيرهم لينتقلوا عن فاسد مذهبهم . الرابع - أنه هدى هؤلاء الى طريق الثواب . وأولئك لعمى والاضلال عنه بالعقاب في النار . وقوله { إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله } اخبار منه تعالى انه فعل بهم ما فعل من الضلال ، لأنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ، والاتخاذ الافتعال من الأخذ بمعنى اعداد الشىء لأمر من الامور ، فلما أعدوا الشياطين لنصرتهم ، كانوا قد اتخذوهم أولياء باعدادهم . وقوله { ويحسبون أنهم مهتدون } يعني هؤلاء الكفار يظنون أنهم مهتدون . والحسبان والظن واحد ، وهو ما قوي عند الظَّانِّ كون المظنون على ما ظنه مع تجويزه أن يكون على غيره ، فبالقوة يتميز من اعتقاد التقليد والتخمين ، وبالتجويز يتميز من العلم ، لأن مع العلم القطع .