Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 84-84)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم انه تعالى لما أمر بالجهاد ورغب فيه أشد الترغيب في الآيات المتقدمة ، وذكر في المنافقين قلة رغبتهم في الجهاد ، بل ذكر عنهم شدة سعيهم في تثبيط المسلمين عن الجهاد ، عاد في هذه الآية إلى الامر بالجهاد فقال : { فَقَاتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : الفاء في قوله : { فَقَاتِلْ } بماذا تتعلق ؟ فيه وجوه : الأول : أنها جواب لقوله : { وَمَن يُقَـٰتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ } [ النساء : 74 ] من طريق المعنى لأنه يدل على معنى إن أردت الفوز فقاتل الثاني : أن يكون متصلا بقوله : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ النساء : 75 ] { فَقَاتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ النساء : 84 ] والثالث : أن يكون متصلا بمعنى ما ذكر من قصص المنافقين ، والمعنى أن من أخلاق هؤلاء المنافقين كذا وكذا ، فلا تعتد بهم ولا تلتفت إلى أفعالهم ، بل قاتل . المسألة الثانية : دلت الآية على أن الله تعالى أمره بالجهاد ولو وحده قبل دعاء الناس في بدر الصغرى إلى الخروج ، وكان أبو سفيان واعد الرسول صلى الله عليه وسلم اللقاء فيها ، فكره بعض الناس أن يخرجوا ، فنزلت هذه الآية ، فخرج وما معه الا سبعون رجلا ولم يلتفت إلى أحد ، ولو لم يتبعوه لخرج وحده . المسألة الثالثة : دلت الآية على أنه صلى الله عليه وسلم كان أشجع الخلق وأعرفهم بكيفية القتال لأنه تعالى ما كان يأمره بذلك إلا وهو صلى الله عليه وسلم موصوف بهذه الصفات ، ولقد اقتدى به أبو بكر رضي الله عنه حيث حاول الخروج وحده إلى قتال مانعي الزكاة ، ومن علم أن الأمر كله بيد الله وأنه لا يحصل أمر من الأمور إلا بقضاء الله سهل ذلك عليه . ثم قال تعالى : { لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : قال صاحب « الكشاف » : قرىء { لاَ تُكَلَّفُ } بالجزم على النهي . و { لاَ نُكَلّفُ } بالنون وكسر اللام ، أي لا نكلف نحن إلا نفسك وحدها . المسألة الثانية : قال الواحدي رحمه الله . انتصاب قوله : { نَّفْسَكَ } على مفعول ما لم يسم فاعله . المسألة الثالثة : دلت الآية على أنه لو لم يساعده على القتال غيره لم يجز له التخلف عن الجهاد البتة ، والمعنى لا تؤاخذ إلا بفعلك دون فعل غيرك ، فاذا أديت فعلك لا تكلف بفرض غيرك . واعلم أن الجهاد في حق غير الرسول عليه السلام من فروض الكفايات ، فما لم يغلب على الظن أنه يفيد لم يجب ، بخلاف الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه على ثقة من النصر والظفر بدليل قوله تعالى : { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [ المائدة : 67 ] وبدليل قوله ههنا : { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } و « عسى » من الله جزم ، فلزمه الجهاد وإن كان وحده . ثم قال تعالى : { وَحَرّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } والمعنى ان الواجب على الرسول عليه الصلاة والسلام إنما هو الجهاد وتحريض الناس في الجهاد ، فإن أتى بهذين الأمرين فقد خرج عن عهدة التكليف وليس عليه من كون غيره تاركا للجهاد شيء . ثم قال : { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : عسى : حرف من حروف المقاربة وفيه ترج وطمع ، وذلك على الله تعالى محال . والجواب عنه أن « عسى » معناها الاطماع ، وليس في الاطماع أنه شك أو يقين ، وقال بعضهم : إطماع الكريم إيجاب . المسألة الثانية : الكف المنع ، والبأس أصله المكروه ، يقال ما عليك من هذا الأمر بأس أي مكروه ، ويقال بئس الشيء هذا إذا وصف بالرداءة ، وقوله : { بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } [ الأعراف : 165 ] أي مكروه ، والعذاب قد يسمى بأسا لكونه مكروها ، قال تعالى : { فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ ٱللَّهِ } [ غافر : 29 ] { فَلَمَّا أَحَسُّواْ بَأْسَنَا } [ الأنبياء : 12 ] قال المفسرون : عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا ، وقد كف بأسهم ، فقد بدا لأبي سفيان وقال هذا عام مجدب وما كان معهم زاد إلا السويق ، فترك الذهاب إلى محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم قال تعالى : { وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً } يقال : نكلت فلانا إذا عاقبته عقوبة تنكل غيره عن ارتكاب مثله ، من قولهم : نكل الرجل عن الشيء إذا جبن عنه وامتنع منه ، قال تعالى : { فَجَعَلْنَـٰهَا نَكَـٰلاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا } [ البقرة : 66 ] وقال في السرقة : { بِمَا كَسَبَا نَكَـٰلاً مّنَ ٱللَّهِ } [ المائدة : 38 ] ويقال : نكل فلان عن اليمين إذا خافه ولم يقدم عليه . إذا عرفت هذا فنقول : الآية دالة على أن عذاب الله وتنكيله أشد من عذاب غيره ومن تنكيله ، وأقبل الوجوه في بيان هذا التفاوت أن عذاب غير الله لا يكون دائما ، وعذاب الله دائم في الآخرة ، وعذاب غير الله قد يخلص الله منه ، وعذاب الله لا يقدر أحد على التخلص منه ، وأيضاً عذاب غير الله لا يكون إلا من وجه واحد ، وعذاب الله قد يصل إلى جميع الأجزاء والابعاض والروح والبدن .