Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 86-86)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في النظم وجهان : الأول : أنه لما أمر المؤمنين بالجهاد أمرهم ايضا بأن الاعداء لو رضوا بالمسألة فكونوا أنتم أيضا راضين بها ، فقوله : { وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } كقوله تعالى : { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا } [ الأنفال : 61 ] . الثاني : ان الرجل في الجهاد كان يلقاه الرجل في دار الحرب أو ما يقاربها فيسلم عليه ، فقد لا يلتفت الى سلامه عليه ويقتله ، وربما ظهر أنه كان مسلما ، فمنع الله المؤمنين عنه وأمرهم ان كل من يسلم عليهم ويكرمهم بنوع من الاكرام يقابلونه بمثل ذلك الاكرام أو أزيد ، فانه ان كان كافرا لا يضر المسلم ان قابل إكرام ذلك الكافر بنوع من الاكرام ، أما ان كان مسلما وقتله ففيه أعظم المضار والمفاسد ، وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : التحية تفعلة من حييت ، وكان في الاصل تحيية ، مثل التوصية والتسمية ، والعرب تؤثر التفعلة على التفعيل في ذوات الاربعة ، نحو قوله : { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } [ الواقعة : 94 ] فثبت أن التحية أصلها التحيية ثم أدغموا الياء في الياء . المسألة الثانية : اعلم أن عادة العرب قبل الاسلام أنه إذا لقي بعضهم بعضا قالوا : حياك الله واشتقاقه من الحياة كأنه يدعو له بالحياة ، فكانت التحية عندهم عبارة عن قول بعضهم لبعض حياك الله ، فلما جاء الاسلام أبدل ذلك بالسلام ، فجعلوا التحية اسما للسلام . قال تعالى : { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَـٰمٌ } [ الأحزاب : 44 ] ومنه قول المصلى : التحيات لله ، أي السلام من الآفات لله ، والأشعار ناطقة بذلك . قال عنترة : @ حييت من طلل تقادم عهده @@ وقال آخر : @ إنا محيوك يا سلمى فحيينا @@ واعلم أن قول القائل لغيره : السلام عليك أتم وأكمل من قوله : حياك الله ، وبيانه من وجوه : الأول : أن الحي إذا كان سليما كان حيا لا محالة ، وليس إذا كان حياً كان سليما ، فقد تكون حياته مقرونة بالآفات والبليات ، فثبت أن قوله : السلام عليك أتم وأكمل من قوله : حياك الله . الثاني : أن السلام اسم من أسماء الله تعالى ، فالابتداء بذكر الله أو بصفة من صفاته الدالة على أنه يريد ابقاء السلامة على عباده أكمل من قوله : حياك الله . الثالث : أن قول الانسان لغيره : السلام عليك فيه بشارة بالسلامة ، وقوله : حياك الله لا يفيد ذلك ، فكان هذا أكمل . ومما يدل على فضيلة السلام القرآن والأحاديث والمعقول ، أما القرآن فمن وجوه : الأول : اعلم أن الله تعالى سلم على المؤمن في اثني عشر موضعا : أولها : أنه تعالى كأنه سلم عليك في الأزل ، ألا ترى أنه قال في وصف ذاته : { الملك القدوس السلام } [ الحشر : 23 ] وثانيها : أنه سلم على نوح وجعل لك من ذلك السلام نصيبا ، فقال : { قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلَـٰمٍ مّنَّا وَبَركَـٰتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مّمَّن مَّعَكَ } [ هود : 48 ] والمراد منه أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وثالثها : سلم عليك على لسان جبريل ، فقال : { تَنَزَّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مّن كُلّ أَمْرٍ سَلَـٰمٌ هِىَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ } [ القدر : 5 ] قال المفسرون : إنه عليه الصلاة والسلام خاف على أمته أن يصيروا مثل أمة موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام ، فقال الله : لا تهتم لذلك فاني وإن أخرجتك من الدنيا ، إلا أني جعلت جبريل خليفة لك ، ينزل إلى أمتك كل ليلة قدر ويبلغهم السلام مني . ورابعها : سلم عليك على لسان موسى عليه السلام حيث قال : { وَٱلسَّلَـٰمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ } [ طه : 47 ] فاذا كنت متبع الهدى وصل سلام موسى إليك . وخامسها : سلم عليك على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال : { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَـٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَى } [ النمل : 59 ] وكل من هدى الله إلى الايمان فقد اصطفاه ، كما قال : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } [ فاطر : 32 ] وسادسها : أمر محمداً صلى الله عليه وسلم بالسلام على سبيل المشافهة ، فقال : { وَإِذَا جَاءكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـئَايَـٰتِنَا فَقُلْ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ } [ الأنعام : 54 ] وسابعها : أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالتسليم عليك قال : { وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } وثامنها : سلم عليك على لسان ملك الموت فقال : { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ طَيّبِينَ يَقُولُونَ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمُ } [ النحل : 32 ] قيل : إن ملك الموت يقول في أذن المسلم : السلام يقرئك السلام ، ويقول : أجبني فاني مشتاق إليك ، واشتاقت الجنات والحور العين إليك ، فاذا سمع المؤمن البشارة ، يقول لملك الموت : للبشير مني هدية ، ولا هدية أعز من روحي ، فاقبض روحي هدية لك ، وتاسعها : السلام من الأرواح الطاهرة المطهرة ، قال تعالى : { وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلْيَمِينِ فَسَلَـٰمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلْيَمِينِ } [ الواقعة : 91 ] وعاشرها : سلم الله عليك على لسان رضوان خازن الجنة فقال تعالى : { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً } إلى قوله : { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَـٰمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ } [ الزمر : 73 ] والحادي عشر : اذا دخلوا الجنة فالملائكة يزورونهم ويسلمون عليهم . قال تعالى : { وَالمَلَـٰئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } [ الرعد : 23 ، 24 ] والثاني عشر : السلام من الله من غير واسطة وهو قوله : { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَـٰمٌ } [ الأحزاب : 44 ] وقوله : { سَلاَمٌ قَوْلاً مّن رَّبّ رَّحِيمٍ } [ يۤس : 58 ] وعند ذلك يتلاشى سلام الكل لأن المخلوق لا يبقى على تجلي نور الخالق . الوجه الثاني : من الدلائل القرآنية الدالة على فضيلة السلام أن أشد الأوقات حاجة إلى السلامة والكرامة ثلاثة أوقات : وقت الابتداء ، ووقت الموت ، ووقت البعث ، والله تعالى لما أكرم يحيى عليه السلام فانما أكرمه بأن وعده السلام في هذه الأوقات الثلاثة فقال : { وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا } [ مريم : 15 ] وعيسى عليه السلام ذكر أيضا ذلك فقال : { وَٱلسَّلَـٰمُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً } [ مريم : 33 ] . الوجه الثالث : أنه تعالى لما ذكر تعظيم محمد عليه الصلاة والسلام قال : { إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً } [ الأحزاب : 56 ] يروى في التفسير أن اليهود كانوا إذا دخلوا قالوا : السام عليك ، فحزن الرسول عليه الصلاة والسلام لهذا المعنى ، فبعث الله جبريل عليه السلام وقال : إن كان اليهود يقولون السام عليك ، فأنا أقول من سرادقات الجلال : السلام عليك ، وأنزل قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ } إلى قوله : { وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً } . وأما ما يدل من الأخبار على فضيلة السلام فما روي أن عبدالله بن سلام قال : لما سمعت بقدوم الرسول عليه الصلاة والسلام دخلت في غمار الناس ، فأول ما سمعت منه : " " يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام " . " وأما ما يدل على فضل السلام من جهة المعقول فوجوه : الأول : قالوا : تحية النصارى وضع اليد على الفم ، وتحية اليهود بعضهم لبعض الاشارة بالأصابع ، وتحية المجوس الانحناء ، وتحية العرب بعضهم لبعض أن يقولوا : حياك الله ، وللملوك أن يقولوا : أنعم صباحا ، وتحية المسلمين بعضهم لبعض أن يقولوا : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، ولا شك أن هذه التحية أشرف التحيات وأكرمها . الثاني : أن السلام مشعر بالسلامة من الآفات والبليات . ولا شك أن السعي في تحصيل الصون عن الضرر أولى من السعي في تحصيل النفع . الثالث : أن الوعد بالنفع يقدر الانسان على الوفاء به وقد لا يقدر ، أما الوعد بترك الضرر فانه يكون قادرا عليه لا محالة ، والسلام يدل عليه . فثبت أن السلام أفضل أنواع التحية . المسألة الثالثة : من الناس من قال : من دخل داراً وجب عليه أن يسلم على الحاضرين ، واحتج عليه بوجوه : الأول : قوله تعالى : { يـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا } [ النور : 27 ] وقال عليه الصلاة والسلام : " " أفشوا السلام " " والأمر للوجوب . الثاني : أن من دخل على إنسان كان كالطالب له ، ثم المدخول عليه لا يعلم أنه يطلبه لخير أو لشر ، فاذا قال : السلام عليك فقد بشره بالسلامة وآمنه من الخوف ، وإزالة الضرر عن المسلم واجبة قال عليه الصلاة والسلام : " " المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه " " فوجب أن يكون السلام واجبا . الثالث : أن السلام من شعائر أهل الاسلام ، وإظهار شعائر الاسلام واجب ، وأما المشهور فهو أن السلام سنة ، وهو قول ابن عباس والنخعي . وأما الجواب على السلام فقد أجمعوا على وجوبه ، ويدل عليه وجوه : الأول : قوله تعالى { وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } الثاني : أن ترك الجواب إهانة ، والاهانة ضرر والضرر حرام . المسألة الرابعة : منتهى الأمر في السلام أن يقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، بدليل أن هذا القدر هو الوارد في التشهد . واعلم أنه تعالى قال : { فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } فقال العلماء : الأحسن هو أن المسلم إذا قال السلام عليك زيد في جوابه الرحمة ، وإن ذكر السلام والرحمة في الابتداء زيد في جوابه البركة ، وإن ذكر الثلاثة في الابتداء أعادها في الجواب . روي أن رجلا قال للرسول صلى الله عليه وسلم : السلام عليك يا رسول الله ، فقال عليه الصلاة والسلام : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته . وآخر قال : السلام عليك ورحمة الله ، فقال : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، وجاء ثالث فقال : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، فقال عليه الصلاة والسلام : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، فقال الرجل : نقصتني ، فأين قول الله : { فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا } فقال صلى الله عليه وسلم : إنك ما تركت لي فضلا فرددت عليك ما ذكرت . المسألة الخامسة : المبتدىء يقول : السلام عليك والمجيب ، يقول : وعليكم السلام ، هذا هو الترتيب الحسن ، والذي خطر ببالي فيه أنه إذا قال : السلام عليكم كان الابتداء واقعا بذكر الله ، فاذا قال المجيب : وعليكم السلام كان الاختتام واقعا بذكر الله ، وهذا يطابق قوله : { هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلأَخِرُ } [ الحديد : 3 ] وأيضا لما وقع الابتداء والاختتام بذكر الله فانه يرجى أن يكون ما وقع بينهما يصير مقبولا ببركته كما في قوله : { أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَىِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يذهبن السيئات } [ هود : 114 ] فلو خالف المبتدىء فقال : وعليكم السلام فقد خالف السنة ، فالأولى للمجيب أن يقول : وعليكم السلام ، لأن الأول لما ترك الافتتاح بذكر الله ، فهذا لا ينبغي أن يترك الاختتام بذكر الله . المسألة السادسة : ان شاء قال : سلام عليكم ، وان شاء قال : السلام عليكم قال تعالى في حق نوح : { قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلَـٰمٍ مّنَّا } [ هود : 48 ] وقال عن الخليل : { قَالَ سَلَـٰمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِي } [ مريم : 47 ] وقال في قصة لوط : { قَالُواْ سَلَـٰماً قَالَ سَلَـٰمٌ } [ هود : 69 ] وقال عن يحيى : { وَسَلَـٰمٌ عَلَيْهِ } وقال عن محمد صلى الله عليه وسلم : { قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَـٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ } [ النمل : 59 ] وقال عن الملائكة : { وَالمَلَـٰئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ * سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمُ } [ الرعد : 23 ، 24 ] وقال عن رب العزة : { سَلاَمٌ قَوْلاً مّن رَّبّ رَّحِيمٍ } [ يۤس : 58 ] وقال : { فَقُلْ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ } وأما بالألف واللام فقوله عن موسى عليه السلام : { فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إِسْرٰءيلَ وَلاَ تُعَذّبْهُمْ قَدْ جِئْنَـٰكَ بِـئَايَةٍ مّن رَّبّكَ والسلام على من اتبع الهدى } [ طه : 47 ] وقال عن عيسى عليه السلام : { وَٱلسَّلَـٰمُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ } [ مريم : 33 ] فثبت أن الكل جائز ، وأما في التحليل من الصلاة فلا بد من الألف واللام بالاتفاق ، واختلفوا في سائر المواضع أن التنكير أفضل أم التعريف ؟ فقيل التنكير أفضل ، ويدل عليه وجوه : الأول : أن لفظ السلام على سبيل التنكير كثير في القرآن فكان أفضل . الثاني : ان كل ما ورد من الله والملائكة والمؤمنين فقد ورد بلفظ التنكير على ما عددناه في الآيات ، وأما بالألف واللام فانما ورد في تسليم الانسان على نفسه قال موسى صلى الله عليه وسلم : { وَٱلسَّلَـٰمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ } [ طه : 47 ] وقال عيسى عليه الصلاة والسلام : { وَٱلسَّلَـٰمُ عَلَىَّ } [ مريم : 33 ] والثالث : وهو المعنى المعقول ان لفظ السلام بالألف واللام يدل على أصل الماهية ، والتنكير يدل على أصل الماهية مع وصف الكمال ، فكان هذا أولى . المسألة السابعة : قال صلى الله عليه وسلم : " " السنة أن يسلم الراكب على الماشي ، وراكب الفرس على راكب الحمار ، والصغير على الكبير ، والأقل على الأكثر ، والقائم على القاعد " . " وأقول : أما الأول فلوجهين : أحدهما : ان الراكب أكثر هيبة فسلامه يفيد زوال الخوف والثاني : أن التكبر به أليق ، فأمر بالابتداء بالتسليم كسرا لذلك التكبر ، وأما أن القائم يسلم على القاعد فلأنه هو الذي وصل اليه ، فلا بد وأن يفتتح هذا الواصل الموصول بالخير . المسألة الثامنة : السنة في السلام الجهر لأنه أقوى في إدخال السرور في القلب . المسألة التاسعة : السنة في السلام الافشاء والتعميم لأن في التخصيص ايحاشا . المسألة العاشرة : المصافحة عند السلام عادة الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال عليه الصلاة والسلام : " " إذا تصافح المسلمان تحاتت ذنوبهما كما يتحات ورق الشجر " . " المسألة الحادية عشرة : قال أبو يوسف : من قال لآخر : اقرىء فلانا عني السلام وجب عليه أن يفعل . المسألة الثانية عشرة : إذا استقبلك رجل واحد فقل سلام عليكم ، واقصد الرجل والملكين فانك إذا سلمت عليهما ردا السلام عليك ، ومن سلم الملك عليه فقد سلم من عذاب الله . المسألة الثالثة عشرة : إذا دخلت بيتا خاليا فسلم ، وفيه وجوه : الأول : انك تسلم من الله على نفسك . والثاني : انك تسلم على من فيه من مؤمني الجن . والثالث : أنك تطلب السلامة ببركة السلام ممن في البيت من الشياطين والمؤذيات . المسألة الرابعة عشرة : السنة أن يكون المبتدىء بالسلام على الطهارة ، وكذا المجيب . روي أن واحداً سلم على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو كان في قضاء الحاجة ، فقام وتيمم ثم رد السلام . المسألة الخامسة عشرة : السنة إذا التقى إنسانان أن يبتدرا بالسلام إظهاراً للتواضع . المسألة السادسة عشرة : لنذكر المواضع التي لا يسلم فيها ، وهي ثمانية : الأول : روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يبدأ اليهودي بالسلام ، وعن أبي حنيفة أنه قال : لا يبدأ بالسلام في كتاب ولا في غيره ، وعن أبي يوسف : لا تسلم عليهم ولا تصافحهم ، وإذا دخلت فقل : السلام على من اتبع الهدى . ورخص بعض العلماء في ابتداء السلام عليهم إذا دعت إلى ذلك حاجة ، وأما إذا سلموا علينا فقال أكثر العلماء : ينبغي أن يقال وعليك ، والأصل فيه أنهم كانوا يقولون عند الدخول على الرسول : السام عليك ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول وعليكم ، فجرت السنة بذلك ، ثم ههنا تفريع وهو أنا إذا قلنا لهم : وعليكم السلام ، فهل يجوز ذكر الرحمة فيه ؟ قال الحسن يجوز أن يقال للكافر : وعليكم السلام ، لكن لا يقال ورحمة الله لأنها استغفار . وعن الشعبي انه قال لنصراني : وعليكم السلام ورحمة الله فقيل له فيه ، فقال : أليس في رحمة الله يعيش . الثاني : إذا دخل يوم الجمعة والامام يخطب ، فلا ينبغي أن يسلم لاشتغال الناس بالاجتماع ، فان سلم فرد بعضهم فلا بأس ، ولو اقتصروا على الاشارة كان أحسن . الثالث : إذا دخل الحمام فرأى الناس متزرين يسلم عليهم ، وإن لم يكونوا متزرين لم يسلم عليهم ، الرابع : الأولى ترك السلام على القارىء ، لأنه إذا اشتغل بالجواب يقطع عليه التلاوة وكذلك القول فيمن كان مشتغلا برواية الحديث ومذاكرة العلم ، الخامس : لا يسلم على المشتغل بالأذان والاقامة للعلة التي ذكرناها . السادس : قال أبو يوسف . لا يسلم على لاعب النرد ، ولا على المغني ، ومطير الحمام ، وفي معناه كل من كان مشتغلا بنوع معصية ، السابع : لا يسلم على من كان مشتغلا بقضاء الحاجة ، مر على الرسول عليه الصلاة والسلام رجل وهو يقضي حاجته ، فسلم عليه ، فقام الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الجدار فتيمم ثم رد الجواب ، وقال : " " لولا أني خشيت أن تقول سلمت عليه فلم يرد الجواب لما أجبتك إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم علي فانك إن سلمت علي لم أرد عليك " " الثامن : إذا دخل الرجل بيته سلم على امرأته ، فان حضرت أجنبية هناك لم يسلم عليهما . المسألة السابعة عشرة : في أحكام الجواب وهي ثمانية : الأول : رد الجواب واجب لقوله تعالى : { وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } ولأن ترك الجواب إهانة وضرر وحرام ، وعن عباس : ما من رجل يمر على قوم مسلمين فيسلم عليهم ولا يردون عليه إلا نزع عنهم روح القدس وردت عليه الملائكة . الثاني : رد الجواب فرض على الكفاية اذا قام به البعض سقط عن الباقين ، والأولى للكل أن يذكروا الجواب إظهارا للاكرام ومبالغة فيه ، الثالث : أنه واجب على الفور ، فان أخر حتى انقضى الوقت فان أجاب بعد فوت الوقت كان ذلك ابتداء سلام ولا يكون جوابا . الرابع : اذا ورد عليه سلام في كتاب فجوابه بالكتبة أيضا واجب ، لقوله تعالى : { وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } الخامس : اذا قال السلام عليكم ، فالواجب أن يقول : وعليكم السلام إلاّ أن السنة أن يزيد فيه الرحمة والبركة ليدخل تحت قوله { فحيوا بأحسن منها } أما إذا قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فظاهر الآية يقتضي أنه لايجوز الإقتصار على قوله وعليكم السلام . السادس : روي عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه قال : لا يجهر بالرد يعني الجهر الكثير . السابع : إن سلمت المرأة الأجنبية عليه وكان يخاف في رد الجواب عليها تهمة أو فتنة لم يجب الرد ، بل الأولى أن لا يفعل . الثامن : حيث قلنا انه لا يسلم ، فلو سلم لم يجب عليها الرد ، لأنه أتى بفعل منهى عنه فكان وجوده كعدمه . المسألة الثامنة عشرة : اعلم أن لفظ التحية على ما بيناه صار كناية عن الاكرام ، فجميع أنواع الاكرام يدخل تحت لفظ التحية . إذا عرفت هذا فنقول : قال أبو حنيفة رضي الله عنه : من وهب لغير ذي رحم محرم فله الرجوع فيها ما لم يثب منها ، فاذا أثيب منها فلا رجوع فيها . وقال الشافعي رضي الله عنه : له الرجوع في حق الولد ، وليس له الرجوع في حق الأجنبي ، احتج أبو بكر الرازي بهذه الآية على صحة قول أبي حنيفة فان قوله : { وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } يدخل فيه التسليم ، ويدخل فيه الهبة ، ومقتضاه وجوب الرد اذا لم يصر مقابلا بالأحسن ، فاذا لم يثبت الوجوب فلا أقل من الجواز ، وقال الشافعي : هذا الأمر محمول على الندب ، بدليل أنه لو أثيب بما هو أقل منه سقطت مكنة الرد بالاجماع ، مع أن ظاهر الآية يقتضي أن يأتي بالأحسن ، ثم احتج الشافعي على قوله بما روى ابن عباس وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده " " وهذا نص في أن هبة الأجنبي يحرم الرجوع فيها ، وهبة الولد يجوز الرجوع فيها . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء حَسِيباً } وفيه مسائل : المسألة الأولى : في الحسيب قولان : الأول : أنه بمعنى المحاسب على العمل ، كالأكيل والشريب والجليس بمعنى المؤاكل والمشارب والمجالس . الثاني : أنه بمعنى الكافي في قولهم : حسبي كذا أي كافي ، ومنه قوله تعالى : { حَسْبِىَ ٱللَّهُ } [ التوبة : 129 ، الزمر : 38 ] . المسألة الثانية : المقصود منه الوعيد ، فانا بينا أن الواحد منهم قد كان يسلم على الرجل المسلم ، ثم إن ذلك المسلم ما كان يتفحص عن حاله ، بل ربما قتله طمعا في سلبه ، فالله تعالى زجر عن ذلك فقال : { وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } وإياكم أن تتعرضوا له بالقتل . ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء حَسِيباً } أي هو محاسبكم على أعمالكم وكافي في إيصال جزاء أعمالكم اليكم فكونوا على حذر من مخالفة هذا التكليف ، وهذا يدل على شدة العناية بحفظ الدماء والمنع من إهدارها .