Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 87-87)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في الآية مسائل : المسألة الأولى : في كيفية النظم وجهان : الأول : أنا بينا أن المقصود من قوله : { وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } أن لا يصير الرجل المسلم مقتولا ، ثم إنه تعالى أكد ذلك بالوعيد في قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء حَسِيباً } ثم بالغ في تأكيد ذلك الوعيد بهذه الآية ، فبين في هذه الآية أن التوحيد والعدل متلازمان ، فقوله : { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } إشارة إلى التوحيد ، وقوله : { لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } إشارة إلى العدل ، وهو كقوله : { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَائِمَاً بِٱلْقِسْطِ } [ آل عمران : 18 ] وكقوله في طه : { إِنَّنِى أَنَا ٱللَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلا أَنَاْ فَٱعْبُدْنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِى } [ طه : 14 ] وهو إشارة إلى التوحيد ثم قال : { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ } [ طه : 15 ] وهو إشارة إلى العدل ، فكذا في هذه الآية بين أنه يجب في حكمه وحكمته أن يجمع الأولين والآخرين في عرصة القيامة فينتصف للمظلومين من الظالمين ، ولا شك أنه تهديد شديد . الثاني : كأنه تعالى يقول : من سلم عليكم وحياكم فاقبلوا سلامه وأكرموه وعاملوه بناء على الظاهر ، فان البواطن إنما يعرفها الله الذي لا إله إلا هو ، إنما تنكشف بواطن الخلق للخلق في يوم القيامة . المسألة الثانية : قال صاحب « الكشاف » : قوله : { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } إما خبر للمبتدا ، وإما اعتراض والخبر { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } واللام لام القسم ، والتقدير : والله ليجمعنكم . المسألة الثالثة : لقائل أن يقول : لم لم يقل : ليجمعنكم في يوم القيامة ؟ والجواب من وجهين : الأول : المراد ليجمعنكم في الموت أو القبور إلى يوم القيامة . الثاني : التقدير : ليضمنكم إلى ذلك اليوم ويجمع بينكم وبينه بأن يجمعكم فيه . المسألة الرابعة : قال الزجاج : يجوز أن يقال سميت القيامة قيامة لأن الناس يقومون من قبورهم ، ويجوز أيضاً أن يقال : سميت بهذا الاسم لأن الناس يقومون للحساب قال تعالى : { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [ المطففين : 6 ] قال صاحب « الكشاف » : القيام القيامة ، كالطلاب والطلابة . المسألة الخامسة : اعلم أن ظاهر الآية يدل على أنه تعالى أثبت أن القيامة ستوجد لا محالة ، وجعل الدليل على ذلك مجرد إخبار الله تعالى عنه ، وهذا حق ، وذلك لأن المسائل الأصولية على قسمين منها ما العلم بصحة النبوة يكون محتاجا إلى العلم بصحته ، ومنها ما لا يكون كذلك . والأول مثل علمنا بافتقار العالم إلى صانع عالم بكل المعلومات قادر على كل الممكنات ، فانا ما لم نعلم ذلك لا يمكننا العلم بصدق الأنبياء ، فكل مسألة هذا شأنها فانه يمتنع اثباتها بالقرآن واخبار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، والا وقع الدور . وأما القسم الثاني : وهو جملة المسائل التي لا يتوقف العلم بصحة النبوة على العلم بصحتها فكل ذلك مما يمكن اثباته بكلام الله واخباره ومعلوم أن قيام القيامة كذلك ، فلا جرم أمكن إثباته بالقرآن وبكلام الله ، فثبت أن الاستدلال على قيام القيامة باخبار الله عنه استدلال صحيح . المسألة السادسة : قوله : { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً } استفهام على سبيل الانكار ، والمقصود منه بيان أنه يجب كونه تعالى صادقا وأن الكذب والخلف في قوله محال . وأما المعتزلة فقد بنوا ذلك على أصلهم ، وهو أنه تعالى عالم بكون الكذب قبيحاً ، وعالم بكونه غنياً عنه ، وكل من كان كذلك استحال أن يكذب . إنما قلنا : انه عالم بقبح الكذب ، وعالم بكونه غنياً عنه لأن الكذب قبيح لكونه كذبا ، والله تعالى غير محتاج إلى شيء أصلا ، وثبت أنه عالم بجميع المعلومات فوجب القطع بكونه عالما بهذين الأمرين ، وأما أن كل من كان كذلك استحال أن يكذب فهو ظاهر لأن الكذب جهة صرف لا جهة دعاء ، فاذا خلا عن معارض الحاجة بقي ضارا محضا فيمتنع صدور الكذب عنه ، وأما أصحابنا فدليلهم أنه لو كان كاذبا لكان كذبه قديما ، ولو كان كذبه قديما لامتنع زوال كذبه لامتناع العدم على القديم ، ولو امتنع زوال كذبه قديما لامتنع كونه صادقا ، لأن وجود أحد الضدين يمنع وجود الضد الآخر ، فلو كان كاذبا لامتنع أن يصدق لكنه غير ممتنع ، لانا نعلم بالضرورة أن كل من علم شيئا فانه لا يمتنع عليه أن يحكم عليه بحكم مطابق للمحكوم عليه ، والعلم بهذه الصحة ضروري ، فاذا كان إمكان الصدق قائما كان امتناع الكذب حاصلا لا محالة ، فثبت أنه لا بد من القطع بكونه تعالى صادقا . المسألة السابعة : استدلت المعتزلة بهذه الآية على أن كلام الله تعالى محدث ، قالوا لأنه تعالى وصفه بكونه حديثا في هذه الآية وفي قوله تعالى : { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ } [ الزمر : 23 ] والحديث هو الحادث أو المحدث ، وجوابنا عنه : انكما إنما تحكمون بحدوث الكلام الذي هو الحرف والصوت ونحن لا ننازع في حدوثه ، إنما الذي ندعي قدمه شيء آخر غير هذه الحروف والأصوات ، والآية لا تدل على حدوث ذلك الشيء ألبتة بالاتفاق منا ومنكم ، فأما منا فظاهر ، وأما منكم فانكم تنكرون وجود كلام سوى هذه الحروف والأصوات ، فكيف يمكنكم أن تقولوا بدلالة هذه الآية على حدوثه ، والله أعلم .