Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 20-20)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : المقصود الأصلي من الآية تحقير حال الدنيا وتعظيم حال الآخرة فقال : الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر ، ولا شك أن هذه الأشياء أمور محقرة ، وأما الآخرة فهي عذاب شديد دائم أو رضوان الله على سبيل الدوام ، ولا شك أن ذلك عظيم . المسألة الثانية : اعلم أن الحياة الدنيا حكمة وصواب ، ولذلك لما قال تعالى : { إِنّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً … قَال إِنّي أعلم مَا لا تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 30 ] ولولا أنها حكمة وصواب لما قال ذلك ، ولأن الحياة خلقه ، كما قال : { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَوٰةَ } [ الملك : 2 ] وأنه لا يفعل العبث على ما قال : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـٰكُمْ عَبَثاً } [ المؤمنين : 115 ] وقال : { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاء وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَـٰطِلاً } ولأن الحياة نعمة بل هي أصل لجميع النعم ، وحقائق الأشياء لا تختلف بأن كانت في الدنيا أو في الآخرة ، ولأنه تعالى عظم المنة بخلق الحياة فقال : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوٰتًا فَأَحْيَـٰكُمْ } [ البقرة : 28 ] فأول ما ذكر من أصناف نعمه هو الحياة ، فدل مجموع ما ذكرنا على أن الحياة الدنيا غير مذمومة ، بل المراد أن من صرف هذه الحياة الدنيا لا إلى طاعة الله بل إلى طاعة الشيطان ومتابعة الهوى ، فذاك هو المذموم ، ثم إنه تعالى وصفها بأمور : أولها : أنها { لَعِبٌ } وهو فعل الصبيان الذين يتعبون أنفسهم جداً ، ثم إن تلك المتاعب تنقضي من غير فائدة وثانيها : أنها { لَهُوَ } وهو فعل الشبان ، والغالب أن بعد انقضائه لا يبقى إلا الحسرة ، وذلك لأن العاقل بعد انقضائه يرى المال ذاهباً والعمر ذاهباً ، واللذة منقضية ، والنفس ازدادت شوقاً وتعطشاً إليه مع فقدانها ، فتكون المضار مجتمعة متوالية وثالثها : أنها { زِينَةُ } وهذا دأب النساء لأن المطلوب من الزينة تحسين القبيح ، وعمارة البناء المشرف على أن يصير خراباً ، والاجتهاد في تكميل الناقص ، ومن المعلوم أن العرضي لا يقاوم الذاتي ، فإذا كانت الدنيا منقضية لذاتها ، فاسدة لذاتها ، فكيف يتمكن العاقل من إزالة هذه المفاسد عنها ، قال ابن عباس : المعنى أن الكافر يشتغل طول حياته بطلب زينة الدنيا دون العمل للآخرة ، وهذا كما قيل : @ حياتـك يـا مغـرور سـهو وغفلـة @@ ورابعها : { تفاخر بينكم } بالصفات الفانية الزائلة ، وهو إما التفاخر بالنسب ، أو التفاخر بالقدرة والقوة والعساكر وكلها ذاهبة وخامسها : قوله : { وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوٰلِ وَٱلأَوْلْـٰدِ } قال ابن عباس : يجمع المال في سخط الله ، ويتباهى به على أولياء الله ، ويصرفه في مساخط الله ، فهو ظلمات بعضها فوق بعض ، وأنه لا وجه بتبعية أصحاب الدنيا يخرج عن هذه الأقسام ، وبين أن حال الدنيا إذا لم يخل من هذه الوجوه فيجب أن يعدل عنها إلى ما يؤدي إلى عمارة الآخرة ، ثم ذكر تعالى لهذه الحياة مثلاً ، فقال : { كَمَثَلِ غَيْثٍ } يعني المطر ، ونظيره قوله تعالى : { وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا كَمَاء } [ الكهف : 45 ] والكاف في قوله : { كَمَثَلِ غَيْثٍ } موضعة رفع من وجهين أحدهما : أن يكون صفة لقوله : { لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ } ، والآخر : أن يكون خبراً بعد خبر قاله الزجاج ، وقوله : { أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ } فيه قولان : الأول : قال ابن مسعود : المراد من الكفار الزراع قال الأزهري : والعرب تقول للزارع : كافر ، لأنه يكفر البذر الذي يبذره بتراب الأرض ، وإذا أعجب الزراع نباته مع علمهم به فهو في غاية الحسن الثاني : أن المراد بالكفار في هذه الآية الكفار بالله وهم أشد إعجاباً بزينة الدنيا وحرثها من المؤمنين ، لأنهم لا يرون سعادة سوى سعادة الدنيا ، وقوله : { نَبَاتُهُ } أي ما نبت من ذلك الغيث ، وباقي الآية مفسر في سورة الزمر . ثم إنه تعالى ذكر بعده حال الآخرة فقال : { وَفِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ } أي لمن كانت حياته بهذه الصفة ، ومغفرة من الله ورضوان لأوليائه وأهل طاعته ، وذلك لأنه لما وصف الدنيا بالحقارة وسرعة الانقضاء ، بين أن الآخرة إما عذاب شديد دائم ، وإما رضوان ، وهو أعظم درجات الثواب ، ثم قال : { وَما ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ } يعني لمن أقبل عليها ، وأعرض بها عن طلب الآخرة ، قال سعيد بن جبير : الدنيا متاع الغرور إذا ألهتك عن طلب الآخرة ، فأما إذا دعتك إلى طلب رضوان الله وطلب الآخرة فنعم الوسيلة .