Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 61, Ayat: 10-11)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إعلم أن قوله تعالى : { هَلْ أَدُلُّكُمْ } في معنى الأمر عند الفراء ، يقال : هل أنت ساكت أي اسكت وبيانه : أن هل ، بمعنى الاستفهام ، ثم يتدرج إلى أن يصير عرضاً وحثاً ، والحث كالإغراء ، والإغراء أمر ، وقوله تعالى : { عَلَىٰ تِجَـٰرَةٍ } هي التجارة بين أهل الإيمان وحضرة الله تعالى ، كما قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوٰلَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ } [ التوبة : 111 ] دل عليه { تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } والتجارة عبارة عن معاوضة الشيء بالشيء ، وكما أن التجارة تنجي التاجر من محنة الفقر ، ورحمة الصير على ما هو من لوازمه ، فكذلك هذه التجارة وهي التصديق بالجنان والإقرار باللسان ، كما قيل في تعريف الإيمان فلهذا قال : بلفظ التجارة ، وكما أن التجارة في الربح والخسران ، فكذلك في هذا ، فإن من آمن وعمل صالحاً فله الأجر ، والربح الوافر ، واليسار المبين ، ومن أعرض عن العمل الصالح فله التحسر والخسران المبين ، وقوله تعالى : { تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } قرىء مخففاً ومثقلاً ، { وَتُؤْمِنُونَ } استئناف ، كأنهم قالوا : كيف نعمل ؟ فقال : { تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } وهو خبر في معنى الأمر ، ولهذا أجيب بقوله : { يَغْفِرْ لَكُمْ } وقوله تعالى : { وَتُجَـٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } والجهاد بعد هذين الوجهين ثلاثة ، جهاد فيما بينه وبين نفسه ، وهو قهر النفس ، ومنعها عن اللذات والشهوات ، وجهاد فيما بينه وبين الخلق ، وهو أن يدع الطمع منهم ، ويشفق عليهم ويرحمهم وجهاد فيما بينه بين الدنيا وهو أن يتخذها زاداً لمعاده فتكون على خمسة أوجه ، وقوله تعالى : { ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ } يعني الذي أمرتم به من الإيمان بالله تعالى والجهاد في سبيله خير لكم من أن تتبعوا أهواءكم { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي إن كنتم تنتفعون بما علمتم فهو خير لكم ، وفي الآية مباحث : الأول : لم قال : { تُؤْمِنُونَ } بلفظ الخبر ؟ نقول : للإيذان بوجوب الامتثال ، عن ابن عباس قالوا : لو نعلم أحب الأعمال إلى الله تعالى لعملنا ، فنزلت هذه الآية ، فمكثوا ما شاء الله يقولون : يا ليتنا نعلم ما هي ؟ فدلهم الله عليها بقوله : { تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } . الثاني : ما معنى : { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } نقول : { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أنه خير لكم كان خيراً لكم ، وهذه الوجوه للكشاف ، وأما الغير فقال : الخوف من نفس العذاب لا من العذاب الأليم ، إذ العذاب الأليم هو نفس العذاب مع غيره ، والخوف من اللوازم كقوله تعالى : { وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 175 ] ومنها أن الأمر بالإيمان كيف هو بعد قوله : { يا أيها الذين آمنوا } فنقول : يمكن أن يكون المراد من هذه الآية المنافقين ، وهم الذين آمنوا في الظاهر ، ويمكن أن يكون أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى فإنهم آمنوا بالكتب المتقدمة فكأنه قال : يا أيها الذين آمنوا بالكتب المتقدمة آمنوا بالله وبمحمد رسول الله ، ويمكن أن يكون أهل الإيمان كقوله : { فَزَادَتْهُمْ إِيمَـٰناً } [ التوبة : 124 ] ، { لِيَزْدَادُواْ إِيمَـٰناً } [ الفتح : 4 ] وهو الأمر بالثبات كقوله : { يُثَبّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } [ إبراهيم : 27 ] وهو الأمر بالتجدد كقوله : { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } [ النساء : 136 ] وفي قوله صلى الله عليه وسلم : " " من جدد وضوءه فكأنما جدد إيمانه " " ، ومنها : أن رجاء النجاة كيف هو إذا آمن بالله ورسوله ، ولم يجاهد في سبيل الله ، وقد علق بالمجموع ، ومنها أن هذا المجموع وهو الإيمان بالله ورسوله والجهاد بالنفس والمال في سبيل الله خبر في نفس الأمر .