Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 61, Ayat: 8-9)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لِيُطْفِئُواْ } أي أن يطفئوا وكأن هذه اللام زيدت مع فعل الإرادة تأكيداً له لما فيها من معنى الإرادة في قولك : جئتك لإكرامك ، كما زيدت اللام في لا أباً لك ، تأكيداً لمعنى الإضافة في أباك ، وإطفاء نور الله تعالى بأفواههم ، تهكم بهم في إرادتهم إبطال الإسلام بقولهم في القرآن : { هَـٰذَا سـحرٌ } [ الصف : 6 ] مثلت حالهم بحال من ينفخ في نور الشمس بفيه ليطفئه ، كذا ذكره في الكشاف ، وقوله : { وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ } قرىء بكسر الراء على الإضافة ، والأصل هو التنوين ، قال ابن عباس : يظهر دينه ، وقال صاحب الكشاف : متم الحق ومبلغه غايته ، وقيل : دين الله ، وكتاب الله ، ورسول الله ، وكل واحد من هذه الثلاثة بهذه الصفة لأنه يظهر عليهم من الآثار وثانيها : أن نور الله ساطع أبداً وطالع من مطلع لا يمكن زواله أصلاً وهو الحضرة القدسية ، وكل واحد من الثلاثة كذلك وثالثها : أن النور نحو العلم ، والظلمة نحو الجهل ، أو النور الإيمان يخرجهم من الظلمات إلى النور ، أو الإسلام هو النور ، أو يقال : الدين وضع إلهي سائق لأولي الألباب إلى الخيرات باختيارهم المحمود وذلك هو النور ، والكتاب هو المبين قال تعالى : { تِلْكَ ءَايَاتُ ٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُبِينِ } [ الشعراء : 2 ] فالإبانة والكتاب هو النور ، أو يقال : الكتاب حجة لكونه معجزاً ، والحجة هو النور ، فالكتاب كذلك ، أو يقال في الرسول : إنه النور ، وإلا لما وصف بصفة كونه رحمة للعالمين ، إذ الرحمة بإظهار ما يكون من الأسرار وذلك بالنور ، أو نقول : إنه هو النور ، لأنه بواسطته اهتدى الخلق ، أو هو النور لكونه مبيناً للناس ما نزل إليهم ، والمبين هو النور ، ثم الفوائد في كونه نوراً وجوه منها : أنه يدل على علو شأنه وعظمة برهانه ، وذلك لوجهين أحدهما : الوصف بالنور وثانيهما : الإضافة إلى الحضرة ، ومنها : أنه إذا كان نوراً من أنوار الله تعالى كان مشرقاً في جميع أقطار العالم ، لأنه لا يكون مخصوصاً ببعض الجوانب ، فكان رسولاً إلى جميع الخلائق ، لما روي عنه صلى الله عليه وسلم : " " بعثت إلى الأحمر والأسود " " فلا يوجد شخص من الجن والإنس إلا ويكون من أمته إن كان مؤمناً فهو من أمة المتابعة ، وإن كان كافراً فهو من أمة الدعوة . وقوله تعالى : { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ } أي اليهود والنصارى وغيرهم من المشركين ، وقوله : { بِٱلْهُدَىٰ } لمن اتبعه { وَدِينِ ٱلْحَقّ } قيل : الحق هو الله تعالى ، أي دين الله : وقيل : نعت للدين ، أي والدين هو الحق ، وقيل : الذي يحق أن يتبعه كل أحد و { يُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدّينِ كُلّهِ } يريد الإسلام ، وقيل : ليظهره ، أي الرسول صلى الله عليه وسلم بالغلبة وذلك بالحجة ، وههنا مباحث : الأول : { وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ } والتمام لا يكون إلا عند النقصان ، فكيف نقصان هذا النور ؟ فنقول إتمامه بحسب النقصان في الأثر ، وهو الظهور في سائر البلاد من المشارق إلى المغارب ، إذ الظهور لا يظهر إلا بالإظهار وهو الإتمام ، يؤيده قوله تعالى : { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [ المائدة : 3 ] وعن أبي هريرة : أن ذلك عند نزول عيسى من السماء ، قال مجاهد . الثاني : قال ههنا : { مُتِمُّ نُورِهِ } وقال في موضع آخر : { مَثَلُ نُورِهِ } [ النور : 35 ] وهذا عين ذلك أو غيره ؟ نقول : هو غيره ، لأن نور الله في ذلك الموضع هو الله تعالى عند أهل التحقيق ، وهنا هو الدين أو الكتاب أو الرسول . الثالث : قال في الآية المتقدمة : { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ } وقال في المتأخرة : { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ } فما الحكمة فيه ؟ فنقول : إنهم أنكروا الرسول ، وما أنزل إليه وهو الكتاب ، وذلك من نعم الله ، والكافرون كلهم في كفران النعم ، فلهذا قال : { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ } ولأن لفظ الكافر أعم من لفظ المشرك ، والمراد من الكافرين ههنا اليهود والنصارى والمشركون ، وهنا ذكر النور وإطفاءه ، واللائق به الكفر لأنه الستر والتغطية ، لأن من يحاول الإطفاء إنما يريد الزوال ، وفي الآية الثانية ذكر الرسول والإرسال ودين الحق ، وذلك منزلة عظيمة للرسول عليه السلام ، وهي اعتراض على الله تعالى كما قال : @ ألا قل لمن ظل لي حاسدا أتدري على من أسأت الأدب أسأت على الله في فعله كأنه لم ترض لي ما وهب @@ والاعتراض قريب من الشرك ، ولأن الحاسدين للرسول عليه السلام ، كان أكثرهم من قريش وهم المشركون ، ولما كان النور أعم من الدين والرسول ، لا جرم قابله بالكافرين الذين هم جميع مخالفي الإسلام والإرسال ، والرسول والدين أخص من النور قابله بالمشركين الذين هم أخص من الكافرين .