Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 61, Ayat: 6-7)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِنّى رَسُولُ ٱللَّهِ } أي اذكروا أني رسول الله أرسلت إليكم بالوصف الذي وصفت به في التوراة ومصدقاً بالتوراة وبكتب الله وبأنبيائه جميعاً ممن تقدم وتأخر { وَمُبَشّراً بِرَسُولٍ } يصدق بالتوراة على مثل تصديقي ، فكأنه قيل له : ما اسمه ؟ فقال : اسمه أحمد ، فقوله : { يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ } جملتان في موضع الجر لأنهما صفتان للنكرة التي هي رسول ، وفي { بَعْدِي ٱسْمُهُ } قراءتان تحريك الياء بالفتح على الأصل ، وهو الاختيار عند الخليل وسيبويه في كل موضع تذهب فيه الياء لالتقاء ساكنين وإسكانها ، كما في قوله تعالى : { وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ } [ نوح : 28 ] فمن أسكن في قوله : { مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ } حذف الياء من اللفظ لالتقاء الساكنين ، وهما الياء والسين من اسمه ، قاله المبرد وأبو علي ، وقوله تعالى : { أَحْمَدُ } يحتمل معنيين أحدهما : المبالغة في الفاعل ، يعني أنه أكثر حمداً لله من غيره وثانيهما : المبالغة من المفعول ، يعني أنه يحمد بما فيه من الإخلاص والأخلاق الحسنة أكثر ما يحمد غيره . ولنذكر الآن بعض ما جاء به عيسى عليه السلام ، بمقدم سيدنا محمد عليه السلام في الإنجيل في عدة مواضع أولها : في الإصحاح الرابع عشر من إنجيل يوحنا هكذا : « وأنا أطلب لكم إلى أبي حتى يمنحكم ، ويعطيكم الفارقليط حتى يكون معكم إلى الأبد ، والفارقليط هو روح الحق اليقين » هذا لفظ الإنجيل المنقول إلى العربي ، وذكر في الإصحاح الخامس عشر هذا اللفظ : « وأما الفارقليط روح القدس يرسله أبي باسمي ، ويعلمكم ويمنحكم جميع الأشياء ، وهو يذكركم ما قلت لكم » ثم ذكر بعد ذلك بقليل : « وإني قد خبرتكم بهذا قبل أن يكون حتى إذا كان ذلك تؤمنون » ، وثانيها : ذكر في الإصحاح السادس عشر هكذا : « ولكن أقول لكم الآن حقاً يقيناً انطلاقي عنكم خير لكم ، فإن لم أنطلق عنكم إلى أبي لم يأتكم الفارقليط ، وإن انطلقت أرسلته إليكم ، فإذا جاء هو يفيد أهل العالم ، ويدينهم ويمنحهم ويوقفهم على الخطيئة والبر والدين » وثالثها : ذكر بعد ذلك بقليل هكذا : « فإن لي كلاماً كثيراً أريد أن أقوله لكم ، ولكن لا تقدرون على قبوله والاحتفاظ به ، ولكن إذا جاء روح الحق إليكم يلهمكم ويؤيدكم بجميع الحق ، لأنه ليس يتكلم بدعة من تلقاء نفسه » هذا ما في الإنجيل ، فإن قيل : المراد بفارقليط إذا جاء يرشدهم إلى الحق ويعلمهم الشريعة ، وهو عيسى يجيء بعد الصلب ؟ نقول : ذكر الحواريون في آخر الإنجيل أن عيسى لما جاء بعد الصلب ما ذكر شيئاً من الشريعة ، وما علمهم شيئاً من الأحكام ، وما لبث عندهم إلا لحظة ، وما تكلم إلا قليلاً ، مثل أنه قال : « أنا المسيح فلا تظنوني ميتاً ، بل أنا ناج عند الله ناظر إليكم ، وإني ما أوحي بعد ذلك إليكم » فهذا تمام الكلام ، وقوله تعالى : { فَلَمَّا جَاءهُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ } قيل : هو عيسى ، وقيل : هو محمد ، ويدل على أن الذي جاءهم بالبينات جاءهم بالمعجزات والبينات التي تبين أن الذي جاء به إنما جاء به من عند الله ، وقوله تعالى : { هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } أي ساحر مبين . وقوله : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } أي من أقبح ظلماً ممن بلغ افتراؤه المبلغ الذي يفتري على الله الكذب وأنهم قد علموا أن ما نالوه من نعمة وكرامة فإنما نالوه من الله تعالى ، ثم كفروا به وكذبوا على الله وعلى رسوله : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } أي لا يوافقهم الله للطاعة عقوبة لهم . وفي الآية بحث : وهو أن يقال : بم انتصب { مُصَدّقاً } و { مُبَشّرًا } أبما في الرسول من معنى الإرسال أم { إِلَيْكُمْ } ؟ نقول : بل بمعنى الإرسال لأن إليكم صلة للرسول .