Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 40-41)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن المقصود منه إتمام الكلام في وعيد الكفار ، وذلك لأنه تعالى قال في الآية المتقدمة { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } [ الأعراف : 36 ] ثم شرح تعالى في هذه الآية كيفية ذلك الخلود في حق أولئك المكذبين المستكبرين بقوله : { كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا } أي بالدلائل الدالة على المسائل التي هى أصول الدين ، فالدهرية ينكرون دلائل إثبات الذات والصفات ، والمشركون ينكرون دلائل التوحيد ، ومنكرو النبوات يكذبون الدلائل الدالة على صحة النبوات ومنكرو نبوة محمد ينكرون الدلائل الدالة على نبوته ، ومنكرو المعاد ينكرون الدلائل الدالة على صحة المعاد ، فقوله : { كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا } يتناول الكل ، ومعنى الاستكبار طلب الترفع بالباطل وهذا اللفظ في حق البشر يدل على الذم قال تعالى في صفة فرعون : { وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِى ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ } [ القصص : 39 ] . أما قوله تعالى : { لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوٰبُ ٱلسَّمَاء } ففيه مسائل : المسألة الأولى : قرأ أبو عمرو { لاَ تُفَتَّحُ } بالتاء خفيفة ، وقرأ حمزة والكسائي بالياء خفيفة والباقون بالتاء مشددة . أما القراءة بالتشديد فوجهها قوله تعالى : { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَىْء } [ الأنعام : 44 ] { فَفَتَحْنَا أَبْوٰبَ ٱلسَّمَاء } [ القمر : 11 ] وأما قراءة حمزة والكسائي فوجهها أن الفعل متقدم . المسألة الثانية : في قوله : { لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوٰبُ ٱلسَّمَاء } أقوال . قال ابن عباس : يريد لا تفتح لأعمالهم ولا لدعائهم ولا لشيء مما يريدون به طاعة الله ، وهذا التأويل مأخوذ من قوله تعالى : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرْفَعُهُ } [ فاطر : 10 ] ومن قوله : { كَلاَّ إِنَّ كِتَـٰبَ ٱلأَبْرَارِ لَفِى عِلّيّينَ } [ المطففين : 18 ] وقال السدي وغيره : لا تفتح لأرواحهم أبواب السماء ، وتفتح لأرواح المؤمنين ، ويدل على صحة هذا التأويل ما روي في حديث طويل : أن روح المؤمن يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها ، فيقال مرحباً بالنفس الطيبة التي كانت في الجسد الطيب ، ويقال لها ذلك حتى تنتهي إلى السماء السابعة ، ويستفتح لروح الكافر فيقال لها ارجعي ذميمة ، فإنه لا تفتح لك أبواب السماء . والقول الثالث : أن الجنة في السماء فالمعنى : لا يؤذن لهم في الصعود إلى السماء ولا تطرق لهم إليها ليدخلوا الجنة . والقول الرابع : لا تنزل عليهم البركة والخير ، وهو مأخوذ من قوله : { فَفَتَحْنَا أَبْوٰبَ ٱلسَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ } [ القمر : 11 ] وأقول هذه الآية تدل على أن الأرواح إنما تكون سعيدة إما بأن ينزل عليها من السماء أنواع الخيرات ، وإما بأن يصعد أعمال تلك الأرواح إلى السموات وذلك يدل على أن السموات موضع بهجة الأرواح ، وأماكن سعادتها ، ومنها تنزل الخيرات والبركات ، وإليها تصعد الأرواح حال فوزها بكمال السعادات ، ولما كان الأمر كذلك كان قوله : { لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوٰبُ ٱلسَّمَاء } من أعظم أنواع الوعيد والتهديد . أما قوله تعالى : { وَلاَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِى سَمّ ٱلْخِيَاطِ } ففيه مسائل : المسألة الأولى : « الولوج » الدخول . والجمل مشهور ، و « السم » بفتح السين وضمها ثقب الإبرة قرأ ابن سيرين { سَمّ } بالضم ، وقال صاحب « الكشاف » : يروي { سَمّ } بالحركات الثلاث ، وكل ثقب في البدن لطيف فهو « سم » وجمعه سموم ، ومنه قيل : السم القاتل . لأنه ينفذ بلطفه في مسام البدن حتى يصل إلى القلب ، و { ٱلْخِيَاطِ } ما يخاط به . قال الفراء : ويقال خياط ومخيط ، كما يقال إزار ومئزر ولحاف وملحف ، وقناع ومقنع ، وإنما خص الجمل من بين سائر الحيوانات ، لأنه أكبر الحيوانات جسماً عند العرب . قال الشاعر : @ جسم الجمال وأحلام العصافير @@ فجسم الجمل أعظم الأجسام ، وثقب الإبرة أضيق المنافذ ، فكان ولوج الجمل في تلك الثقبة الضيقة محالاً ، فلما وقف الله تعالى دخولهم الجنة على حصول هذا الشرط ، وكان هذا شرطاً محالاً ، وثبت في العقول أن الموقوف على المحال محال ، وجب أن يكون دخولهم الجنة مأيوساً منه قطعاً . المسألة الثانية : قال صاحب « الكشاف » : قرأ ابن عباس { ٱلْجَمَلُ } بوزن القمل ، وسعيد بن جبير { ٱلْجَمَلُ } بوزن النغر . وقرىء { ٱلْجَمَلُ } بوزن القفل ، و { ٱلْجَمَلُ } بوزن النصب ، و { ٱلْجَمَلُ } بوزن الحبل ، ومعناها : القلس الغليظ ، لأنه حبال جمعت وجعلت جملة واحدة ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله تعالى أحسن تشبيهاً من أن يشبه بالجمل . يعني : أن الحبل مناسب للخيط الذي يسلك في سم الإبرة ، والبعير لا يناسبه . إلا أنا ذكرنا الفائدة فيه . المسألة الثالثة : القائلون بالتناسخ احتجوا بهذه الآية ، فقالوا : إن الأرواح التي كانت في أجساد البشر لما عصت وأذنبت ، فإنها بعد موت الأبدان ترد من بدن إلى بدن ، ولا تزال تبقى في التعذيب حتى أنها تنتقل من بدن الجمل إلى بدن الدودة التي تنفذ في سم الخياط ، فحينئذ تصير مطهرة عن تلك الذنوب والمعاصي ، وحينئذ تدخل الجنة وتصل إلى السعادة واعلم أن القول بالتناسخ باطل وهذا الاستدلال ضعيف ، والله أعلم . ثم قال تعالى : { وَكَذٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُجْرِمِينَ } أي ومثل هذا الذي وصفنا نجزي المجرمين ، والمجرمون والله أعلم ههنا هم الكافرون ، لأن الذي تقدم ذكره من صفتهم هو التكذيب بآيات الله ، والاستكبار عنها . واعلم أنه تعالى لما بين من حالهم أنهم لا يدخلون الجنة ألبتة بين أيضاً أنهم يدخلون النار ، فقال { لَهُم مّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } وفيه مسألتان : المسألة الأولى : « المهاد » جمع مهد ، وهو الفراش . قال الأزهري : أصل المهد في اللغة الفرش ، يقال للفراش مهاد لمواتاته ، والغواشي جمع غاشية ، وهي كل ما يغشاك ، أي يجللك ، وجهنم لا تنصرف لاجتماع التأنيث فيها والتعريف ، وقيل اشتقاقها من الجهمة ، وهي الغلظ ، يقال : رجل جهم الوجه غليظه ، وسميت بهذا لغلظ أمرها في العذاب قال المفسرون : المراد من هذه الآية الأخبار عن إحاطة النار بهم من كل جانب ، فلهم منها غطاء ووطاء ، وفراش ولحاف . المسألة الثانية : لقائل أن يقول : إن غواش ، على وزن فواعل ، فيكون غير منصرف ، فكيف دخله التنوين ؟ وجوابه على مذهب الخليل وسيبويه إن هذا جمع ، والجمع أثقل من الواحد ، وهو أيضاً الجمع الأكبر الذي تتناهى الجموع إليه ، فزاده ذلك ثقلاً ، ثم وقعت الياء في آخره وهي ثقيلة ، فلما اجتمعت فيه هذه الأشياء خففوها بحذف يائه ، فلما حذفت الياء نقص عن مثال فواعل ، وصار غواش بوزن جناح ، فدخله التنوين لنقصانه عن هذا المثال . أما قوله : { وَكَذٰلِكَ نَجْزِى ٱلظَّـٰلِمِينَ } قال ابن عباس : يريد الذين أشركوا بالله واتخذوا من دونه إلهاً وعلى هذا التقدير : فالظالمون ههنا هم الكافرون .