Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 77, Ayat: 16-19)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن المقصود من هذه الصورة تخويف الكفار وتحذيرهم عن الكفر . فالنوع الأول : من التخويف أنه أقسم على أن اليوم الذي يوعدون به ، وهو يوم الفصل واقع ثم هول فقال : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ } [ المرسلات : 14 ] ثم زاد في التهويل فقال : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } [ المرسلات : 15 ] . والنوع الثاني من التخويف : ما ذكر في هذه الآية . وهو أنه أهلك الكفرة المتقدمين بسبب كفرهم . فإذا كان الكفر حاصلاً في هؤلاء المتأخرين ، فلا بد وأن يهلكهم أيضاً ثم قال : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } كأنه يقول ، أما الدنيا فحاصلهم الهلاك ، وأما الآخرة فالعذاب الشديد وإليه الإشارة بقوله : { خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرٰنُ ٱلْمُبِينُ } [ الحج : 11 ] وفي الآية سؤالان الأول : ما المراد من الأولين والآخرين ؟ الجواب : فيه قولان : الأول : أنه أهلك الأولين من قوم نوح وعاد وثمود ثم أتبعهم الآخرين قوم شعيب ولوط وموسى كذلك نفعل بالمجرمين وهم كفار قريش ، وهذا القول ضعيف لأن قوله : { نُتْبِعُهُمُ ٱلأَخِرِينَ } بلفظ المضارع فهو يتناول الحال والاستقبال ولا يتناول الماضي ألبتة القول الثاني : أن المراد بالأولين جميع الكفار الذين كانوا قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، وقوله : { ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ ٱلأَخِرِينَ } على الاستئناف على معنى سنفعل ذلك ونتبع الأول الآخر ، ويدل على الاستئناف قراءة عبدالله { سنتبعهم } ، فإن قيل : قرأ الأعرج ثم نتبعهم بالجزم وذلك يدل على الاشتراك في ألم ، وحينئذ يكون المراد به الماضي لا المستقبل ، قلنا : القراءة الثابتة بالتواتر نتبعهم بحركة العين ، وذلك يقتضي المستقبل ، فلو اقتضت القراءة بالجزم أن يكون المراد هو الماضي لوقع التنافي بين القراءتين ، وإنه غير جائز . فعلمنا أن تسكين العين ليس للجزم للتخفيف كما روي في بيت امرىء القيس : @ واليـوم أشـرب غيـر مستحقـب @@ ثم إنه تعالى لما بين أنه يفعل بهؤلاء المتأخرين مثل ما يفعل بأولئك المتقدمين قال : { كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ } أي هذا الإهلاك إنما نفعله بهم لكونهم مجرمين ، فلا جرم في جميع المجرمين ، لأن عموم العلة يقتضي عموم الحكم . ثم قال تعالى : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } أي هؤلاء وإن أهلكوا وعذبوا في الدنيا ، فالمصيبة العظمى والطامة الكبرى معدة لهم يوم القيامة . السؤال الثاني : المراد من الإهلاك في قوله : { أَلَمْ نُهْلِكِ ٱلأَوَّلِينَ } هو مطلق الإماتة أو الإماتة بالعذاب ؟ فإن كان ذلك هو الأول لم يكن تخويفاً للكفار ، لأن ذلك أمر حاصل للمؤمن والكافر ، فلا يصلح تحذيراً للكافر ، وإن كان المراد هو الثاني وهو الإماتة بالعذاب ، فقوله : { ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ ٱلأَخِرِينَ كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ } يقتضي أن يكون الله قد فعل بكفار قريش مثل ذلك ، ومن المعلوم أنه لم يوجد ذلك ، وأيضاً فلأنه تعالى قال : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } [ الأنفال : 33 ] الجواب : لم لا يجوز أن يكون المراد منه الإماتة بالتعذيب ، وقد وقع ذلك في حق قريش وهو يوم بدر ؟ سلمنا ذلك ، فلم لا يجوز أن يكون المراد من الإهلاك معنى ثالثاً مغايراً للأمرين اللذين ذكروهما وهو الإماتة المستعقبة للذم واللعن ؟ فكأنه قيل : إن أولئك المتقدمين لحرصهم على الدنيا عاندوا الأنبياء وخاصموهم ، ثم ماتوا فقد فاتتهم الدنيا وبقي اللعن عليهم في الدنيا والعقوبة الأخروية دائماً سرمداً ، فهكذا يكون حال هؤلاء الكفار الموجودين ومعلوم أن مثل هذا الكلام من أعظم وجوه الزجر .