Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 22-22)
Tafsir: at-Tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي لا أحد أظلم لنفسه من نُبّه على حجج الله وبيناته التي توصله إلى درجة الكمال وقُرْب المهيمن المتعال ، ثم أعرض عنها جانباً ولم ينظر فيها ، لأن منشأ الإعراض الجحودُ والإنكارُ والجهلُ والاستكبارُ ، ولفظ " ثُمّ " ، يستعمل في هذا الموضع للاستبعاد ، والمعنى : إن هذا القسم من الإعراض مستبعد في العقل ، كما تقول لصاحبك : " وَقَعَ بيدك مثل تلك الفرصة ثم لم تنتهزها " استبعاداً لتركه ، والله ينتقم منهم بأن يعاقبهم بما يستدعيه إعراضهم عن آيات الله من العذاب الدائم والعقاب الأليم الحاصل من الطرد والإبعاد والسقوط عن مقتضى الفطرة . إيضاح فرقاني مفهوم الآية يدل على أن المراد من لفظ الموصول هم المنافقون المستعدون بحسب نفوسهم لتذكّر الآيات ، إلاّ النفوس الجرمانية الظلمانية الصم البكم العُمْي الذين لا يعقلون ، وهم المختوم على قلوبهم رأساً ، فإن الإعراض عن المعارف والحِكَم والآيات عند ذكرها ، المستدعي لضَرْبٍ من التذكر ، إنما يتصور فيمن له نوع من الفطانة التبراء والاستبداد بالرأي الذي قلّ ما ينفك عنه المشتغلون بالأبحاث والعلوم الجزئية ، وهؤلاء أشد عذاباً يوم القيامة من الذين لا يستعدّون بحسب الفطرة إلى الإرتقاء إلى ذروة الكمال من هبوط النقص والوبال ومزابل الجهّال . وممّا يدل على هذا ، ما سيذكره تعالى في الآية اللاحقة من السورة بقوله : { فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ } [ السجدة : 23 ] ، فإن شأن هذه النفوس الإمتراء والمراء والبحث والمجادلة وإيراد الشبهة والشكوك ، وشأنه تعالى تثبيت عبده عند تزلزل الأقدام بالشكوك والأوهام ، وتأييده عند معارضة الجاحدين من الأقوام ، كقوله : { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } [ الإسراء : 74 ] الآية . وأكثر هذه الطائفة المُعرضين عن حجج الله الناطقة والصامتة ، إنما اغترّوا بفطانتهم لسماعهم وحفظهم بعض الأقوال من المشائخ والسابقين ، من غير فَهْم ودِراية ، بل بمجرد قول ورواية ، وشكّك اللاحق منهم في السابق ، وطعن الآتي منهم بالماضي ، يغتاب بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً ، ويغتاظ بعضهم من بعض بحرقة قلوبهم وألم نفوسهم ، وهم في العذاب مشتركون ، أولهم مع آخرهم كما ذكر الله تعالى : { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ } [ الأعراف : 38 ] ، وهم الأشرار والمنافقون : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } [ يوسف : 106 ] ، وهم أهل البِدَع والأهواء ، شرهم كلهم على أهل الورع والدين ، وأضرّهم على العلماء الربانيين ، وأشدهم عداوة للذين آمنوا ، هذه الطائفة المجادلة والمخاصمة الذين يخوضون في الفروع والخِلافيات ، ويهملون الأصول واليقينيات ، ومع هذه البليّة يدّعون إنهم بهذه العقول السخيفة ينصرون دين الله ويعرفون طريق الحق ، نعوذ بالله من شرورهم على الدين وإفسادهم على المؤمنين .