Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 17-17)

Tafsir: at-Tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تحذير شديد ، وإلزام بليغ لهم ، وجواب بنمط آخر على كلامهم يناسب جمهور الناس . ووجه الاحتجاج بهذا القول عليهم ، بعد القول الأول المناسب للخواصّ : أن وجوب النظر أمر عقلي ، كل عاقل يعلم من نفسه بحسب الغريزة العقلية التي أعطاه الله ، والفطرة الأصلية التي فطر الناس عليها ، ويكون حجة الله على خلقه ، والقاضي بينه وبينهم ، أنَّ شكرَ المنعم واجب ، لأن في إهماله ، خطر سوء العاقبة ، وفي فعله الأمنُ والسلامة ، والعاقل لا يختار الخطر على الأمن ، ولا يُرجِّح احتمالَ الضرر على تيقّن السلامة . نعم ، ربما يغفل عن مقايسة الجانبين ، ويذهل عن تصوّر الطرفين ، لشدة توغُّله في الشواغل ، فيحتاج إلى منبّه ، والله تعالى ، لغاية رحمته على عباده ، بعث الرسل إليهم من خارج ، بعد أن أعطاهم عقلاً من داخل ، لتنبّه تلك الرسل عقولهم عن نوم الغفلة ، ورقدة الجهالة ، وسِنَةِ التقليد ، ولذا قيل : " العقل شرع من داخل والشرع عقل من خارج " ، فلو لم يكن الله قد أفاض في الداخل العقول ، لما كانت مهتدية ، وَلاَ لَهُمْ فائدة من بعثة الرسول ، فالمعنى : وليس يلزمنا إلاّ أداء الرسالة وتبليغ الأحكام . وقيل معناه : وليس علينا أن نحملكم على الإيمان ، فإنّا لا نقدر عليه ، لأن الإيمان عطائي حاصل بإفاضة الله تعالى على القلب ، ولا يمكن حصوله بالإكراه والجبر ، كقوله تعالى : { لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ } [ البقرة : 256 ] . ثم لما كان من عادة الجهال والأرذال بسبب محبتهم للدنيا والنفس والمال ، أن يخافوا من زوال شيء مما تلذذوا به غاية الخوف ، فيتمنوا كل ما اشتهَوْه وآثروه ، وقبلته طباعهم ، وتشاءَموا بكل ما نَفَروا عنه وكرهوه ، وحيث كانت الدنيا مبلغ همّتهم ، وغاية قيمتهم ، ورأوا أهل الدين والورع في وضع البذاذة والتقشّع ، لتطليقهم الدنيا ، وإيثارهم الآخرة عليها تشوُّقاً إلى لقاء المولى ، ورأوا المعرضين عن الحكمة والمعرفة بخلاف ذلك ، فتطيّروا بأهل الدين وتشاءَموا من مصاحبة أرباب العلم واليقين ، وتيمّنوا بخدمة الظَلَمَة والشياطين ، وافتخروا بصُحبة الحكام والسلاطين ، فلو صاحبوا أحداً من الصلحاء ، فكل ما أصابهم من قبيل الآفة والنقص فتطيّروا به ، كما حكى الله عن أهل القبط ، وتشاؤمهم بأهل السِّبط بقوله : { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ } [ الأعراف : 131 ] ، ومن مشركي أهل مكة ، وتشاؤمهم بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ } [ النساء : 78 ] . فلذلك قال أصحاب القرية كما حكى سبحانه عنهم بقوله : { قَالُوۤاْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ يس : 18 ] .